الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ }

وقوله تعالى: { ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ } شروع في تفصيل بعض أحكام المُلك وآثار القدرة وبيان ابتنائهما على قوانين الحكم والمصالح واستتباعهما لغايات جليلة. والموصول بدل من الموصول الأول، وصلته كصلته في الشهادة بتعاليه عز وجل وجوز الطبرسي كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي الخ.

والموت على ما ذهب الكثير من أهل السنة صفة وجودية تضاد الحياة واستدل على وجوديته بتعلق الخلق به وهو لا يتعلق بالعدمي لأزلية الأعدام. وأما ما روي عن ابن عباس من أنه تعالى: خلق الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء إلا مات وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء لا تمر بشيء ولا يجد رائحتها شيء إلا حيـي فهو أشبه شيء بكلام الصوفية لا يعقل ظاهره، وقيل هو وارد على منهاج التمثيل والتصوير. وذهب القدرية وبعض أهل السنة إلى أنه أمر عدمي هو عدم الحياة عما هي من شأنه وهو المتبادر الأقرب.

وأجيب عن الاستدلال بالآية بأن الخلق فيها بمعنى التقدير وهو يتعلق بالعدمي كما يتعلق بالوجودي أو أن الموت ليس عدماً مطلقاً صرفاً بل هو عدم شيء مخصوص ومثله يتعلق به الخلق والإيجاد بناء على أنه إعطاء الوجود ولو للغير دون إعطاء الوجود للشيء في نفسه، أو أن الخلق بمعنى الإنشاء والإثبات دون الإيجاد، وهو بهذا المعنى يجري في العدميات، أو أن الكلام على تقدير مضاف أي خلق أسباب الموت، أو أن المراد بخلق الموت والحياة خلق زمان ومدة معينة لهما لا يعلمها إلا الله تعالى، فإيجادهما عبارة عن إيجاد زمانهما مجازاً، ولا يخفى الحال في هذه الاحتمالات.

ومن الغريب ما قيل إنه كنى بالموت عن الدنيا إذ هو واقع فيها وبالحياة عن الآخرة من حيث لا موت فيها فكأنه قيل: الذي خلق الدنيا والآخرة، والحق أنهما بمعناهما الحقيقي والموت - على ما سمعت - والحياة صفة وجودية بلا خلاف وهي ما يصح بوجوده الإحساس أو معنى زائد على العلم والقدرة يوجب للموصوف به حالاً لم يكن قبله من صحة العلم والقدرة.

وتقديم الموت - على تقدير كونه عدماً مطلقاً أعني عدم الحياة عما هي من شأنه - ظاهر لسبقه على الوجود، وعلى تقدير كونه العدم اللاحق كما هو الأنسب بالإرادة هنا أعني عدم الحياة عما اتصف بها فلأن فيه مزيد عظة وتذكرة وزجر عن ارتكاب المعاصي وحث على حسن العمل ولذا ورد " أكثروا من ذكرها ذم اللذات " والحياة وإن كانت داعية لذلك ضرورة أن من عرف أنها نعمة عظيمة وكان ذا بصيرة عمل شكراً لله تعالى عليها لكنها ليست بمثابة الموت في ذلك، فمن زعم أنها لا داعية فيها أصلاً وإنما / ذكرت باعتبار توقف العمل عليها لم يدقق النظر.

السابقالتالي
2 3