الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } البركة النماء والزيادة حسية كانت أو عقلية وكثرة الخير ودوامه، ونسبتها إلى الله عز وجل على المعنى الأول وهو الأليق بالمقام باعتبار تعاليه جل وعلا عما سواه في ذاته وصفاته وأفعاله، وصيغة التفاعل للمبالغة في ذلك كما في نظائره مما لا يتصور نسبته إليه تعالى من الصيغ كالتكبر، وعلى الثاني باعتبار كثرة ما يفيض منه سبحانه على مخلوقاته من فنون الخيرات، والصيغة حينئذ يجوز أن تكون لإفادة نماء تلك الخيرات وازديادها شيئاً فشيئاً وآناً فآناً بحسب حدوثها أو حدوث متعلقاتها، قيل: ولاستقلالها بالدلالة على غاية الكمال وإنبائها عن نهاية التعظيم لم يجز استعمالها في حق غيره سبحانه ولا استعمال غيرها من الصيغ في حقه تبارك وتعالى، وقد مر تمام الكلام في هذا المقام.

وإسنادها إلى الموصول للاستشهاد بما في حيز الصلة على تحقق مضمونها لأن المراد بذلك أنه سبحانه كامل الإحاطة والاستيلاء بناء على أن { بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } استعارة تمثيلة لذلك ولا تجوز في شيء من مفرداته، أو أن (الملك) على حقيقته واليد مجاز عن الإحاطة والاستيلاء كما قيل، ولاستدعاء ذلك استغناء المتصف به مع افتقار الغير إليه في وجوده وكمالات وجوده كان له اختصاص بالموجود، وكذلك في العرف العامي لا يطلق الملك على ما ليس كذلك فلذا قيل هنا في بيان معنى الآية: تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتاً وصفة وفعلاً الكامل الإحاطة والاستيلاء على كل موجود.

وقوله تعالى: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } تكميل لذلك لأن القرينة الأولى تدل على التصرف التام في الموجودات على مقتضى إرادته سبحانه ومشيئته من غير منازع ولا مدافع لا متصرف فيها غيره عز وجل كما يؤذن به تقديم الظرف، وهذه تدل على القدرة الكاملة الشاملة ولو اقتصر على الأولى لأوهم أن تصرفه تعالى مقصور على تغيير أحوال الملك كما يشاهد من تصرف الملاك المجازي فقرنت بالثانية ليؤذن بأنه عز سلطانه قادر على التصرف وعلى إيجاد الأعيان المتصرف فيها وعلى إيجاد عوارضها الذاتية وغيرها، ومن ثم عقب ذلك بالوصف المتضمن للعوارض، وهذا ما اختاره العلامة الطيبـي.

وصاحبُ «الكشاف» اختار في القرينة الأولى ما ذكرناه فيها من التخصيص بالموجود فقال ((أي تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين الذي بيده الملك على كل موجود لما سمعت، وفي الثانية التخصيص بالمعدوم فقال وهو على كل ما لم يوجد مما يدخل تحت القدرة قدير)) ووجهه على ما في «الكشف» أن الشيء وإن كان عاماً في كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه لكن لما قرن بالقدرة اختص بالمعدوم لاستغناء الموجود عن الفاعل عند جمهور المتكلمين القائلين بأن علة الاحتياج الحدوث، وعليه الزمخشري وأصحابه، وأما عند / القائلين بأن علة الاحتياج الإمكان كالمحققين فلأن الاختيار يستدعي سبق العدم، وجيء بالقرينة الثانية عليه تكميلاً أيضاً لأن الاختصاص بالموجود فيه إيهام نقص.

السابقالتالي
2