الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ }

وقوله تعالى: { وَمَرْيَمَ ٱبْنَةَ عِمْرَانَ } عطف علىٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ } [التحريم: 11] أي وضرب مثلاً للذين آمنوا حالتها وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء مع كون أكثر قومها كفاراً، وجمع في التمثيل بين من لها زوج ومن لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييباً لقلوبهن على ما قيل، وهو من بدع التفاسير كما في «الكشاف». وقرأ السختياني ـ ابنه ـ بسكون الهاء وصلاً أجراه مجرى الوقف { ٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } صانته ومنعته من الرجال؛ وقيل: منعته عن دنس المعصية. والفرج ما بين الرجلين وكني به عن السوءة؛ وكثر حتى صار كالصريح، ومنه ما هنا عند الأكثرين { فَنَفَخْنَا فِيهِ } النافخ رسوله تعالى وهو جبريل عليه السلام فالإسناد مجازي، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي فنفخ رسولنا، وضمير { فِيهِ } للفرج، واشتهر أن جبريل عليه السلام نفخ في جيبها فوصل أثر ذلك إلى الفرج. وروي ذلك عن قتادة، وقال الفراء: ذكر المفسرون أن الفرج جيب درعها وهو محتمل لأن الفرج معناه في اللغة كل فرجة بين الشيئين، وموضع جيب درع المرأة مشقوق فهو فرج، وهذا أبلغ في الثناء عليها لأنها إذا منعت جيب درعها فهي للنفس أمنع، وفي «مجمع البيان» عن الفراء أن المراد منعت جيب درعها عن جبريل عليه السلام، وكان ذلك على ما قيل: قولهاإِنّى أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } [مريم: 18] وأفاد كلام البعض أن { أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } على ما نقل أولاً عن الفراء كناية عن العفة نحو قولهم: هو نقي الجيب طاهر الذيل. وجوز في ضمير { فِيهِ } رجوعه إلى الحمل، وهو عيسى عليه السلام المشعر به الكلام، وقرأ عبد الله ـ فيها ـ كما في الأنبياء [91] فالضمير لمريم.

والإضافة في قوله تعالى: { مِن رُّوحِنَا } للتشريف، والمراد من روح خلقناه بلا توسط أصل، وقيل: لأدنى ملابسة وليس بذاك { وَصَدَّقَتْ } آمنت { بِكَلِمَـٰتِ رَبَّهَا } بصحفه عز وجل المنزلة على إدريس عليه السلام وغيره، وسماها سبحانه كلمات لقصرها { وَكُتُبِهِ } بجميع كتبه والمراد بها ما عدا الصحف مما فيه طول، أو التوراة والإنجيل والزبور، وعد المصحف من ذلك وإيمانها به ولم يكن منزلاً بعد كالإيمان بالنبـي الموعود عليه الصلاة والسلام فقد كان صلى الله عليه وسلم مذكوراً بكتابه في الكتب الثلاث، وتفسير الكلمات والكتب بذلك هو ما اختاره جمع، وجوز غير واحد أن يراد بالكلمات ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائه عليهم السلام، وبالكتب ما عرف فيها مما يشمل الصحف وغيرها، وقيل: جميع ما كتب مما يشمل اللوح وغيره، وأن يراد بالكلمات وعده تعالى ووعيده أو ذلك وأمره عز وجل ونهيه سبحانه، وبالكتب أحد الأوجه السابقة، وإرادة كلامه تعالى القديم القائم بذاته سبحانه من الكلمات بعيد جداً.

السابقالتالي
2 3