الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }

{ وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ } أي المحيض وقرىء ـ ييأسن ـ مضارعاً { مّن نِّسَائِكُمْ } لكبرهن، وقد قدر بعضهم سن اليأس بستين سنة، وبعضهم بخمس وخمسين، وقيل: هو غالب سن يأس عشيرة المرأة، وقيل غالب سن يأس النساء في مكانها التي هي فيه فإن المكان إذا كان طيب الهواء والماء ـ كبعض الصحاري ـ يبطىء فيه سن اليأس، وقيل: أقصى عادة امرأة في العالم، وهذا القول بالغ درجة اليأس من أن يقبل.

{ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } أي إن شككتم وترددتم في عدتهن، أو إن جهلتم عدتهن { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في «سننه» وجماعة عن أبـي بن كعب / أن ناساً من أهل المدينة لما نزلت هذه الآية التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء عدد لم تذكر في القرآن: الصغار والكبار اللاتي قد انقطع عنهن الحيض وذوات الحمل، فأنزل الله تعالى في سورة النساء القصرى { وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ } الآية، وفي رواية أن قوماً منهم أبـي بن كعب وخلاد بن النعمان لما سمعوا قوله تعالى:وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوء } [البقرة: 228] قالوا: يا رسول الله فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر؟ فنزل { وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ } الخ، فقال قائل: فما عدة الحامل؟ فنزل { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأَحْمَالِ } الخ. ويعلم مما ذكر أن الشرط هنا لا مفهوم له عند القائلين بالمفهوم، لأنه بيان للواقعة التي نزل فيها من غير قصد للتقييد، وتقدير متعلق الارتياب ما سمعت هو ما أشار إليه الطبري وغيره، وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس أهو دم حيض أو استحاضة فعدتهن الخ، وإذا كانت هذه عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك، وقال الزجاج: المعنى إن ارتبتم في حيضهن وقد انقطع عنهن الدم وكن ممن يحيض مثلهن، وقال مجاهد: الآية واردة في المستحاضة أطبق بها الدم لا تدري أهو دم حيض أو دم علة، وقيل: { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } أي إن تيقنتم إياسهن، والارتياب من الأضداد والكل كما ترى.

والموصول قالوا: إنه مبتدأ خبره جملة { فَعِدَّتُهُنَّ } الخ، { وَإِنْ ٱرْتَبْتُمْ } شرط جوابه محذوف تقديره فاعلموا أنها ثلاثة أشهر، والشرط وجوابه جملة معترضة، وجوز كون { فَعِدَّتُهُنَّ } الخ جواب الشرط باعتبار الإعلام والإخبار كما في قوله تعالى:وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [النحل: 53] والجملة الشرطية خبر من غير حذف وتقدير.

وقوله تعالى: { وَٱللَّـٰتِي لَمْ يَحِضْنَ } مبتدأ خبره محذوف أي واللائي لم يحضن كذلك أو عدتهن ثلاثة أشهر، والجملة معطوفة على ما قبلها، وجوز عطف هذا الموصول على الموصول السابق وجعل الخبر لهما من غير تقدير، والمراد ـ باللائي لم يحضن ـ الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض.

السابقالتالي
2 3