الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } مبتدأ وخبر { وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } أي وخلق من الأرض مثلهن، على أن { مِثْلَهُنَّ } مفعول لفعل محذوف، والجملة عطف على الجملة قبلها، وقيل: { مِثْلَهُنَّ } عطف على { سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } ، وإليه ذهب الزمخشري، وفيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف والمعطوف وهو مختص بالضرورة عند أبـي علي الفارسي. وقرأ المفضل عن عاصم وعصمة عن أبـي بكر { مِثْلَهُنَّ } بالرفع على الابتداء { وَمِنَ ٱلأَرْضِ } الخبر.

والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف، فقال الجمهور: هي هٰهنا في كونها سبعاً وكونها طباقاً بعضها فوق بعض بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض وفي كل أرض سكان من خلق الله عز وجل لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى، وعن ابن عباس أنهم إما ملائكة أو جن، وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في «شعب الإيمان» وفي «الأسماء والصفات» من طريق أبـي الضحى / عنه أنه قال في الآية: سبع أرضين في كل أرض نبـي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى، قال الذهبـي: إسناده صحيح ولكنه شاذ بمرة لا أعلم لأبـي الضحى عليه متابعاً. وذكر أبو حيان في «البحر» نحوه عن الحبر وقال: هذا حديث لا شك في وضعه وهو من رواية الواقدي الكذاب. وأقول لا مانع عقلاً ولا شرعاً من صحته، والمراد أن في كل أرض خلقاً يرجعون إلى أصل واحد رجوع بني آدم في أرضنا إلى آدم عليه السلام، وفيه أفراد ممتازون على سائرهم كنوح وإبراهيم وغيرهما فينا.

وأخرج ابن أبـي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عمر مرفوعاً " إن بين كل أرض والتي تليها خمسمائة عام والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء والحوت على صخرة والصخرة بيد ملك والثانية مسجن الريح والثالثة فيها حجارة جهنم والرابعة فيها كبريتها والخامسة فيها حيَّاتها والسادسة فيها عقاربها والسابعة فيها سقر وفيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه ويد خلفه يطلقه الله تعالى لمن يشاء " ، وهو حديث منكر كما قال الذهبـي لا يعول عليه أصلاً فلا تغتر بتصحيح الحاكم، ومثله في ذلك أخبار كثيرة في هذا الباب لولا خوف الملل لذكرناها لك، لكن كون ما بين كل أرضين خمسمائة سنة كما بين كل سماءين جاء في أخبار معتبرة كما روى الإمام أحمد والترمذي عن أبـي هريرة قال: " بينما النبـي صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه قال: هل تدرون ما فوقكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف، قال: هل تدرون ما بينكم وبينها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: بينكم وبينها خمسمائة عام، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: سماء وإن بُعْدَ ما بينهما خمسمائة سنة؛ ثم قال كذلك حتى عد سبع سمٰوات ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: وإن فوق ذلك العرش بينه وبين السماء بُعْدَ ما بين السماءين، ثم قال: هل تدرون ما تحتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنها الأرض، ثم قال: هل تدرون ما تحت ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن تحتها أرضاً أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد صلى الله عليه وسلم سبع أرضين ما بين كل أرضين خمسمائة سنة "

السابقالتالي
2 3 4 5