الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً }

وقوله تعالى: { رَسُولاً } بدلاً منه؛ وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحاً للمجاز، أو لأن الإرسال مسبب عنه فيكونأَنَزلَ } [الطلاق: 10] مجازاً مرسلاً، وقال أبو حيان: الظاهر أن الذكر هو القرآن، والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم فإما أن يجعل نفس الذكر مجازاً أو يكون بدلاً على حذف مضاف أي ذكر رسول، وقيل: هو نعت على حذف ذلك أي ذا رسول، وقيل: المضاف محذوف من الأول أي ذا ذكر رسولاً فيكون { رَسُولاً } نعتاً لذلك المحذوف أو بدلاً، وقيل: { رَسُولاً } منصوب بمقدر مثل أرسل رسولاً دل عليه { أَنَزلَ } ، ونحا إلى هذا السدي واختاره ابن عطية، وقال الزجاج وأبو علي: يجوز أن يكون معمولاً للمصدر الذي هو ذكر كما في قوله تعالى:أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً } [البلد: 14-15]، وقول الشاعر:
بضرب بالسيوف رؤوس قوم   أزلنا هامهن عن المقيل
أي أنزل الله تعالى ذكره رسولاً على معنى أنزل الله عز وجل ما يدل على كرامته عنده وزلفاه. ويراد به على ما قيل: القرآن وفيه تعسف، ومثله جعل { رَسُولاً } بدلاً منه على أنه بمعنى الرسالة، وقال الكلبـي: الرسول هٰهنا جبريل عليه السلام، وجعل بدلاً أيضاً منذِكْراً } [الطلاق: 10] وإطلاق الذكر عليه لكثرة ذكره فهو من الوصف بالمصدر مبالغة ـ كرجل عدل ـ أو لنزوله بالذكر وهو القرآن، فبينهما ملابسة نحو الحلول، أو لأنه عليه السلام مذكور في السماوات وفي الأمم، فالمصدر بمعنى المفعول كما في درهم ضرب الأمير، وقد يفسر الذكر حينئذ بالشرف كما في قوله تعالى:وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] فيكون كأنه في نفسه شرف إما لأنه شرف للمنزل عليه، وإما لأنه ذو مجد وشرف عند الله عز وجل كقوله تعالى:عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [التكوير: 20] / وفي «الكشف» إذا أريد بالذكر القرآن وبالرسول جبريل عليه السلام يكون البدل بدل اشتمال، وإذا أريد بالذكر الشرف وغيره يكون من بدل الكل فتدبر.

وقرىء (رسول) على إضمار هو.

وقوله تعالى: { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ مُبَيّنَـٰتٍ } نعت ـ لرسولاً ـ وهو الظاهر، وقيل: حال من اسم { ٱللَّهِ } تعالى، ونسبة التلاوة إليه سبحانه مجازية كبني الأمير المدينة، و { ءَايَٰتِ اللهِ } القرآن، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر على أحد الأوجه، و { مُبَيّنَـٰتٍ } حال منها أي حال كونها مبينات لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام. وقرىء { مُبَيّنَـٰتٍ } أي بينها الله تعالى كقوله سبحانه:قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأَيَـٰتِ } [آل عمران: 118].

واللام في قوله تعالى: { لّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } متعلق ـ بأنزل ـ أو ـ بيتلو ـ وفاعل يخرج على الثاني ضمير الرسول عليه الصلاة والسلام أو ضميره عز وجل.

السابقالتالي
2