الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

وقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ } الخ بيان لبعض قدرته تعالى العامة، والمراد: هو الذي أوجدكم كما شاء وقوله تعالى: { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } أي فبعضكم كافر به تعالى وبعضكم مؤمن به عز وجل، أو فبعض منكم كافر به سبحانه وبعض منكم مؤمن به تعالى، تفصيل لما في { خَلَقَكُمْ } من الإجمال لأن كون بعضهم أو بعض منهم كافراً، وكون بعضهم أو بعض منهم مؤمناً مراد منه، فالفاء مثلها في قوله تعالى:وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِ } [النور: 45] الخ فيكون الكفر والإيمان في ضمن الخلق وهو الذي تؤيده الأخبار الصحيحة كخبر البخاري ومسلم والترمذي وأبـي داود عن ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح الحديث " وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبـي حاتم وابن مردويه عن أبـي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب فيقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله ما هو قاض فيقول: أشقي أم سعيد؟ فيكتب ما هو لاق " وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله تعالى:وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [التغابن: 3] والجمع بين الخبرين مما لا يخفى على من أوتي نصيباً من العلم. وتقديم الكفر لأنه الأغلب.

/ واختار بعضهم كون المعنى ((هو الذي خلقكم خلقاً بديعاً حاوياً لجميع مبادي الكمالات العلمية والعملية، ومع ذلك فمنكم مختار للكفر كاسب له على خلاف ما تستدعيه خلقته، ومنكم مختار للإيمان كاسب له حسبما تقتضيه خلقته، وكان الواجب عليكم جميعاً أن تكونوا مختارين للإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليهما من سائر النعم، فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنكم منه بل تشعبتم شعباً وتفرقتم فرقاً))، وهو الذي ذهب إليه الزمشخري، بيد أنه فسر الكافر بالآتي بالكفر والفاعل له، والمؤمن بالآتي بالإيمان والفاعل له لأنه الأوفق بمذهبه من أن العبد خالق لأفعاله، وأن الآية لبيان إخلالهم بما يقتضيه التفضل عليهم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من النعم، وأن الآيات بعد في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته. ثم قال: فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق ويجعله من جملته، والخلق أعظم نعمة من الله تعالى على عباده، والكفر أعظم كفران من العباد لربهم سبحانه.

السابقالتالي
2