الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } أي آدم عليه السلام وهو تذكير لنعمة أخرى فإن رجوع الكثرة إلى أصل واحد أقرب إلى التواد والتعاطف. وفيه أيضاً دلالة على عظيم قدرته سبحانه وتعالى { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } أي فلكم استقرار في الأصلاب أو فوق الأرض واستيداع في الأرحام أو في القبر أو موضع استقرار واستيداع فيما ذكر، وجعل الصلب مقر النطفة والرحم مستودعها لأنها تحصل في الصلب لا من قبل شخص آخر وفي الرحم من قبل الأب فأشبهت الوديعة كأن الرجل أودعها ما كان عنده، وجعل وجه الأرض مستقراً وبطنها مستودعاً لتوطنهم في الأول واتخاذهم المنازل والبيوت فيه وعدم شيء من ذلك في الثاني. وقيل: التعبير عن كونهم في الأصلاب أو فوق الأرض بالاستقرار لأنهما مقرهم الطبيعي كما أن التعبير عن كونهم في الأرحام أو في القبر بالاستيداع لما أن كلاً منهما ليس بمقرهم الطبيعي. وأخرج جماعة منهم الحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المستقر الرحم والمستودع الأصلاب، وجاء في رواية أن (حبرتيما) كتب إليه يسأله رضي الله تعالى عنه عن ذلك فأجابه بما ذكر.

/ ويؤيد تفسير المستقر بالرحم قوله تعالى:وَنُقِرُّ فِى ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَاء } [الحج: 5] وأما تفسير المستودع بالأصلاب فقال شيخ الإسلام: إنه ليس بواضح وليس كما قال، فقد ذكر الإمام بعد أن فرق بين المستقر والمستودع «بأن المستقر أقرب إلى الثبات من المستودع، ومما يدل على قوة هذا القول ـ يعني المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ أن النطفة الواحدة لا تبقى في صلب الأب زماناً طويلاً والجنين يبقى زماناً طويلاً، ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى» ويلزم ذلك أن حمل الاستيداع على المكث في الصلب أولى. وأنا أقول: لعل حمل المستودع على الصلب باعتبار أن الله تعالى بعد أن أخرج من بني آدم عليه السلام من ظهورهم ذريتهم يوم الميثاق وأشهدهم على أنفسهم وكان ما كان ردهم إلى ما أخرجهم منه فكأنهم وديعة هناك تخرج حين يشاء الله تعالى ذلك. وقد أطلق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اسم الوديعة على ما في الصلب صريحاً. فقد أخرج عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أتزوجت؟ قلت: لا وما ذلك في نفسي اليوم قال: إن كان في صلبك وديعة فستخرج. وروي تفسير المستودع بالدنيا والمستقر بالقبر عن الحسن وكان يقول: يا ابن آدم أنت وديعة في أهلك ويوشك أن تلحق بصاحبك وينشد قول لبيد:

السابقالتالي
2