الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا } للحساب { فُرَادَىٰ } أي منفردين عن الأعوان والأوثان التي زعمتم أنها شفعاؤكم أو عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا. أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن عكرمة قال: النضر بن الحرث سوف تشفع لي اللات والعزى فنزلت. والجملة على ما ذهب إليه بعض المحققين مستأنفة من كلامه تعالى ولا ينافي قوله تعالى:وَلاَ يُكَلّمُهُمُ } [البقرة: 174] لأن المراد نفي تكليمهم بما ينفعهم أو لأنه كناية عن الغضب، وقيل: معطوفة على قول الملائكةأَخْرِجُوۤاْ } [الأنعام: 93] الخ وهي من جملة كلامهم وفيه بعد وإن ظنه الإمام أولى وأقوى. ونصب { فُرَادَىٰ } على الحال من ضمير الفاعل وهو جمع فرد على خلاف القياس كأنه جمع فردان كسكران على ما في «الصحاح»، والألف للتأنيث ككسالى، والراء في فرده مفتوحة عند صاحب «الدر المصون» وحكى بصيغة التمريض سكونها، ونقل عن الراغب «أنه جمع فريد كأسير وأسارى»، وفي «القاموس» «يقال: جاءوا فُرَاداً وفِرَاداً وفُرَادَى وفُرَادَ وفَرَادَ وفَرْدَى كسَكْرَى أي واحداً بعد واحد والوَاحِدُ فَرَدٌ وفَرِدٌ وفَرِيد وفَرْدَان ولا يجوز فَرْدٌ في هذا المعنى»، ولعل هذا بعيد الإرادة في الآية. وقرىء { فراداً } كرخال المضموم الراء وفراد كآحاد ورباع في كونه صفة معدولة، ولا يرد أن مجيء هذا الوزن المعدول مخصوص بالعدد بل ببعض كلماته لما نص عليه الفراء وغيره من عدم الاختصاص، نعم هو شائع فيما ذكر. وفردى كسكرى تأنيث فردان والتأنيث لجمع ذي الحال.

{ كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } بدل من { فُرَادَىٰ } بدل كل لأن المراد المشابهة في الانفراد المذكور، والكاف اسم بمعنى مثل أي مثل الهيئة التي ولدتم عليها في الانفراد ويجوز أن يكون حالاً ثانية على رأي من يجوز تعدّد الحال من غير عطف وهو الصحيح أو حالاً من الضمير في { فُرَادَىٰ } فهي حال مترادفة أو متداخلة والتشبيه / أيضاً في الانفراد، ويحتمل أن يكون باعتبار ابتداء الخلقة أي مشبهين ابتداء خلقكم بمعنى شبيهة حالكم حال ابتداء خلقكم حفاة عراة غرلاً بهما، وجوز أن يكون صفة مصدر { جِئْتُمُونَا } أي مجيئاً كخلقنا لكم.

أخرج ابن أبـي حاتم والحاكم وصححه " عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قرأت هذه الآية فقالت: " يا رسول الله واسوأتاه إن النساء والرجال سيحشرون جميعاً ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه } [عبس:37] لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال شغل بعضهم عن بعض "

{ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَـٰكُمْ } أي ما أعطيناكم في الدنيا من المال والخدم وهو متضمن للتوبيخ أي فشغلتم به عن الآخرة { وَرَاء ظُهُورِكُمْ } ما قدمتم منه شيئاً لأنفسكم.

السابقالتالي
2 3