الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }

وقد أشير إلى الثاني بقوله سبحانه: { وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَـٰهُ رَجُلاً } على أن الضمير الأول للنذير المحدث للناس عنه عليه الصلاة والسلام المفهوم من فحوى الكلام بمعونة المقام والضمير الثاني للملك لا لما رجع إليه الأول أي ولو جعلنا النذير الذي اقترحتم إنزاله ملكاً لمثلنا ذلك الملك رجلاً لعدم استطاعتكم معاينة الملك على هيكله الأصلي، وفي إيثار { رَجُلاً } على بشراً إيذان على ما قيل بأن الجعل بطريق التمثيل لا بطريق قلب الحقيقة وتعيين لما يقع به التمثيل، وفيه إشعار كما قال عصام الدين وغيره بأن الرسول لا يكون امرأة وهو متفق عليه وإنما الاختلاف في نبوتها.

والعدول عن ولو أنزلناه ملكاً إلى ما في النظم الجليل يعلم سره مما تقدم في بيان المراد، وقيل: العدول لرعاية المشاكلة لما بعد. ووجه شيخ الإسلام عدم جعل الضمير الأول للملك المذكور قبل «بأن يعكس ترتيب المفعولين ويقال: ولو جعلناه نذيراً لجعلناه رجلاً مع فهم المراد منه أيضاً بأنه لتحقيق أن مناط إبراز الجعل الأول في معرض الفرض والتقدير ومدار استلزامه للثاني إنما هو ملكية النذير لا نذيرية الملك، وذلك لأن الجعل حقه أن يكون مفعوله الأول مبتدأ والثاني خبراً لكونه بمعنى التصيير المنقول من صار الداخل على المبتدأ والخبر، ولا ريب في أن مصب الفائدة ومدار اللزوم بين طرفي الشرطية هو محمول المقدم لا موضوعه فحيث كانت «لو» امتناعية أريد بيان انتفاء الجعل الأول لاستلزامه المحذور الذي هو الجعل الثاني وجب أن يجعل مدار الاستلزام في الأول مفعولاً ثانياً لا محالة ولذلك جعل مقابله في الجعل الثاني كذلك إبرازاً لكمال التنافي بينهما الموجب لانتفاء الملزوم» ولا يخلو عن حسن. وجوز غير واحد كون قوله تعالى: { وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ } الخ جواب اقتراح ثان، وذلك أن للكفرة اقتراحين، أحدهما: أن ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ملك في صورته الأصلية بحيث يعاينه القوم؛ والآخر أن ينزل إلى القوم ويرسل إليهم مكان الرسول البشر ملك فانهم كما كانوا يقولون: لولا أنزل على / محمد صلى الله عليه وسلم ملك فيكون معه نذيراً كانوا يقولون:مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } [المؤمنون: 24] فأجيبوا عن قولهم الأول بقوله سبحانه وتعالى:وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً } [الأنعام: 8] الخ وعن قولهم الأخير بما ذكر فضمير { جَعَلْنَـٰهُ } للرسول المنزل إلى القوم، ولا يخفى أن جعله جواباً عن اقتراح آخر غير ظاهر من النظم الكريم ولا داعي إليه أصلاً.

وبعضهم جعله جواباً آخر وجعل الضمير للمطلوب. واعترض بأن المطلوب أيضاً ملك ولا معنى لقولنا لو جعلنا الملك ملكاً إلا أن يقال: المراد لو جعلنا المطلوب ملكيته ملكاً، وتعقب بأن المطلوب هو النازل المقارن للرسول صلى الله عليه وسلم وحينئذ لا غبار في الكلام خلا أن لزوم جعل الملك النازل رجلاً لجعله ملكاً كما هو مفهوم الآية الثانية ينافي لزوم هلاكهم له كما هو مفهوم الآية الأولى لتوقف الثاني على عدم الأول لأن مبناه على نزوله في صورته لا في صورة رجل فحينئذ يجب أن تكون الآية جواباً عن اقتراح آخر لا جواباً آخر عن الاقتراح الأول حتى لا يلزم المنافاة.

السابقالتالي
2 3 4 5