الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

{ وَتِلْكَ } إشارة إلى ما احتج به إبراهيم عليه السلام من قوله سبحانه:فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ } [الأنعام: 76] الخ، وقيل: من قوله سبحانه:أَتُحَاجُّونِّى } [الأنعام: 80] إلىوَهُمْ مُّهْتَدُونَ } [الأنعام: 82] وتركيب حجة اصطلاحية منه يحتاج إلى تأمل وما في اسم الإشارة من معنى البعد لتفخيم شأن المشار إليه، وهو مبتدأ وقوله عز شأنه: { حُجَّتُنَا } خبره، وفي إضافته إلى نون العظمة من التفخيم ما لا يخفى. وقوله تعالى: { ءَاتَيْنَـٰهَا إِبْرٰهِيمَ } أي أرشدناه إليها أو علمناه إياها في موضع الحال من حجة والعامل فيه معنى الإشارة أو في محل الرفع على أنه خبر ثان أو هو الخبر و { حُجَّتُنَا } بدل أو بيان للمبتدأ، وجوز أن تكون جملة (ءاتَيْنَا) الخ معترضة أو تفسيرية ولا يخفى بعده، و { إِبْرَاهِيمَ } مفعول أول لآتينا قدم على الثاني لكونه ضميراً. وقوله سبحانه: { عَلَىٰ قَوْمِهِ } متعلق بحجتنا إن جعل خبراً لتلك أو بمحذوف إن جعل بدلاً لئلا يلزم الفصل بين أجزاء البدل بأجنبـي أي آتيناها إبراهيم حجة على قومه، ولم يجوز أبو البقاء تعلقه بحجتنا أصلاً للمصدرية والفصل، ولعل المجوز لا يرى المصدرية مانعة عن تعلق الظرف ويجعل الفصل مغتفراً، وقيل: يصح / تعلقه بآياتنا لتضمنه معنى الغلبة.

وقوله عز شأنه: { نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍ } أي رتباً عظيمة عالية من العلم والحكمة مستأنف لا محل له من الإعراب مقرر لما قبله، وجوز أبو البقاء أن يكون في محل نصب على أنه حال من فاعل (ءاتَيْنَا) أي حال كوننا رافعين، ونصب { دَرَجَـٰتٌ } إما على المصدرية بتأويل رفعات أو على الظرفية أو على نزع الخافض أي إلى درجات أو على التمييز ومفعول { نَرْفَعُ } قوله تعالى: { مَّن نَّشَاء } وتأخيره على الأوجه الثلاثة الأخيرة لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ومفعول المشيئة محذوف أي من نشاء رفعه حسبما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة. وإيثار صيغة المضارع للدلالة على أن ذلك سنة مستمرة فيما بين المصطفين الأخيار غير مختصة بإبراهيم عليه السلام. وقرىء { يَرْفَعُ } بالياء على طريقة الالتفات وكذا { نَشَاء } وقرأ غير واحد من السبعة { دَرَجَـٰتٍ مَّن } بالإضافة على أنه مفعول { نَرْفَعُ } ورفع درجات الإنسان رفع له، وجوز بعضهم جعله مفعولاً أيضاً على قراءة التنوين وجعل من بتقدير لمن وهو بعيد.

وقوله سبحانه: { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ } أي في كل ما يفعل من رفع وخفض { عَلِيمٌ } أي بحال من يرفعه واستعداده له على مراتب متفاوتة، وإن شئت عممت ويدخل حينئذ ما ذكر دخولاً أولياً تعليل لما قبله. وفي وضع الرب مضافاً إلى ضميره عليه الصلاة والسلام موضع نون العظمة بطريق الالتفات في تضاعيف بيان حال إبراهيم عليه السلام ما لا يخفى من إظهار مزيد اللطف والعناية به صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4