الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ }

{ وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرٰهِيمَ } هذه الإراءة من الرؤية البصرية المستعارة استعارة لغوية للمعرفة من إطلاق السبب على المسبب أي عرفناه وبصرناه، وكان الظاهر أرينا بصيغة الماضي إلا أنه عدل إلى صيغة المستقبل حكاية للحال الماضية استحضاراً لصورتها حتى كأنها حاضرة مشاهدة، وقيل: إن التعبير بالمستقبل لأن متعلق الإراءة لا يتناهى وجه دلالته فلا يمكن الوقوف على ذلك إلا بالتدريج وليس بشيء. والإشارة إلى مصدر «نري» لا إلى إراءة أخرى مفهومة من قوله تعالى:إِنّى أَرَاكَ } [الأنعام: 74] ولا إلى ما أنذر به أباه وضلل قومه من المعرفة والبصارة. وجوز كل، وقيل: يجوز أن يجعل المشبه التبصير من حيث إنه واقع والمشبه به التبصير من حيث إنه مدلول اللفظ، ونظيره وصف النسبة بالمطابقة للواقع وهي عين الواقع، وجوز كون الكاف بمعنى اللام والإشارة إلى القول السابق، وأنت تعلم ما هو الأجزل والأولى مما تقدم لك في نظائره وليس هو إلا الأول أي ذلك التبصير البديع نبصره عليه السلام.

{ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي ربوبيته تعالى ومالكيته لهما لا تبصيراً آخر أدنى منه، «فالملكوت مصدر كالرغبوت والرحموت ـ كما قاله ابن مالك وغيره من أهل اللغة ـ وتاؤه زائدة للمبالغة ولهذا فسر بالملك العظيم والسلطان القاهر، وهو ـ كما قال الراغب ـ مختص به تعالى» خلافاً لبعضهم. وعن مجاهد أن المراد بالملكوت الآيات، وقيل: العجائب التي في السماوات والأرض فإنه عليه السلام فرجت له السماوات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش وفرجت له الأَرَضون السبع فنظر إلى ما فيهن. وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض أشرف على رجل على معصية من معاصي الله تعالى فدعا عليه فهلك ثم أشرف على آخر على معصية من معاصي الله تعالى فدعا عليه فهلك ثم أشرف على آخر فذهب يدعو عليه فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم إنك رجل مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي فإنهم مني على ثلاث، إما أن يتوب العاصي فأتوب عليه، وإما أن أخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح وإما أن أقبضه إلي فإن شئت عفوت وإن شئت عاقبت " وروي نحوه موقوفاً ومرفوعاً من طرق شتى ولا خلاف فيها لدلائل المعقول خلافاً لمن توهمه، وقيل: ملكوت السماوات: الشمس والقمر والنجوم. وملكوت الأرض: الجبال والأشجار والبحار./ وهذه الأقوال ـ على ما قيل ـ لا تقتضي أن تكون الإراءة بصرية إذ ليس المراد بإراءة ما ذكر من الأمور الحسية مجرد تمكينه عليه السلام من إبصارها ومشاهدتها في أنفسها بل اطلاعه عليه السلام على حقائقها وتعريفها من حيث دلالتها على شؤونه عز وجل، ولا ريب في أن ذلك ليس مما يدرك حساً كما ينبىء عنه التشبيه السابق.

السابقالتالي
2