الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

{ وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قال أبو جعفر عليه الرحمة: لما نزلتفَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ } [الأنعام: 68] الخ قال المسلمون لئن كنا نقوم كلما استهزأ المشركون بالقرآن لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت فنزلت، أي وما يلزم الذين يتقون قبائح أعمال الخائضين وأحوالهم. { مِنْ حِسَابِهِم } أي مما يحاسب الخائضون الظالمون عليه من الجرائر { مِن شَيْءٍ } أي شيء ما على أن (من) زائدة للاستغراق و { شَىْء } في محل الرفع مبتدأ و(ما) تميمية أو اسم لها وهي حجازية و { مِنْ حِسَابِهِم } كما قال أبو البقاء حال منه لأن نعت النكرة إذا قدم عليها أعرب حالاً. وليست { مِنْ } بمعنى الأجل خلافاً لمن تكلفه. و { عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } متعلق بمحذوف مرفوع وقع خبراً للمبتدأ أو لما الحجازية على رأي من لا يجيز إعمالها في الخبر المقدم مطلقاً أو منصوب وقع خبراً لما على رأي من يجوز إعمالها في الخبر المقدم عند كونه ظرفاً أو حرف جر.

/ { وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ } استدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم أن يذكروهم ويمنعوهم عما هم فيه من القبائح بما أمكن من العظة والتذكير ويظهروا لهم الكراهة والنكير. ومحل { ذِكْرِى } عند كثير من المحققين إما النصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المحذوف أي عليهم أن يذكروهم تذكيراً أو الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي ولكن عليهم ذكرى، وجوز أبو البقاء النصب والرفع أيضاً لكن قدر في الأول نذكرهم ذكرى بنون العظمة، وفي الثاني هذه ذكرى، وإلى ذلك يشير كلام البلخي، ولم يجوز الزمخشري عطفه على محل { مِن شَيْءٍ } لأن (من حسابهم) يأباه إذ يصير المعنى: ولكن ذكرى من حسابهم وهو كما ترى.

واعترض بأنه لا يلزم من العطف على مقيد اعتبار ذلك القيد في المعطوف، والعلامة الثاني يقول: إنه إذا عطف مفرد على مفرد لا سيما بحرف الاستدراك فالقيود المعتبرة في المعطوف عليه السابقة في الذكر عليه معتبرة في المعطوف البتة بحكم الاستعمال تقول: ما جاءني يوم الجمعة أو في الدار أو راكباً أو من هؤلاء القوم رجل ولكن امرأة فيلزم مجيء المرأة في يوم الجمعة وفي الدار وبصفة الركوب وتكون من القوم البتة ولم يجيء الاستعمال بخلافه ولا يفهم من الكلام سواه بخلاف ما جاءني رجل من العرب ولكن امرأة فإنه لا يبعد كون المرأة من غير العرب، قالوا: والسر فيه أن تقدم القيود يدل على أنها أمر مسلم مفروغ عنه وأنها قيد للعامل منسحب على جميع معمولاته وأن هذه القاعدة مخصوصة بالمفرد لذلك، وأما في الجمل فالقيد إن جعل جزءاً من المعطوف عليه وإن سبق لم يشاركه فيه المعطوف كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2