الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }

{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى آيَـٰتِنَا } بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها كما هو دأب قريش وديدنهم في أنديتهم وهم المراد بالموصول. وعن مجاهد أهل الكتاب فإن ديدنهم ذلك أيضاً، ولذا أتى بإذا الدالة على التحقيق، وهذا بخلاف النسيان الآتي. وأصل الخوض من خاض القوم في الحديث وتخاوضوا إذا تفاوضوا فيه، وقال الطبرسي: «الخوض التخليط في المفاوضة على سبيل العبث واللعب وترك التفهم والتبيين»، وقال بعض المحققين: أصل معنى الخوض عبور الماء استعير للتفاوض في الأمور، وأكثر ما ورد في القرآن للذم.

{ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي اتركهم ولا تجالسهم { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ } أي كلام { غَيْرُهُ } أي غير آياتنا. والتذكير باعتبار كونها حديثاً فإن وصف الحديث بمغايرتها مشير إلى اعتبارها بعنوان الحديثية، وقيل: باعتبار كونها قرآناً. والمراد بالخوض هنا التفاوض لا بقيد التكذيب والاستهزاء. وادعى بعضهم أن المعنى حتى يشتغلوا بحديث غيره وأن ذكر { يَخُوضُواْ } للمشاكلة، واستظهر عود الضمير إلى الخوض. واستدل بعض العلماء بالآية على أن { إِذَا } تفيد التكرار لحرمة القعود مع الخائض كلما خاض، ونظر فيه بأن التكرار ليس من (إذا) بل من ترتب الحكم على مأخذ الاشتقاق. واستدلال بعض الحشوية بها على النهي عن الاستدلال والمناظرة في ذات الله تعالى وصفاته زاعماً أن ذلك خوض في آيات الله تعالى مما لا ينبغي أن يلتفت إليه.

{ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ } بأن يشغلك فتنسى الأمر بالإعراض عنهم فتجالسهم ابتداء أو بقاء، وهذا على سبيل الفرض إذ لم يقع وأنى للشيطان سبيل إلى إشغال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا عبر بأن الشرطية المزيدة ما بعدها. وذهب بعض المحققين أن الخطاب هنا وفيما قبل لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام والمراد غيره، وقيل: لغيره ابتداء أي إذا رأيت أيها السامع وإن أنساك أيها السامع. والمشهور عن الرافضة اختيار أن النبـي صلى الله عليه وسلم / منزه عن النسيان لقوله تعالى:سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [الأعلى: 6] وأن غيرهم ذهب إلى جوازه وعلى نسبة الأول إليهم نص صاحب «الاحكام» والجبائي وغيرهما. وقال الأخير: إن الآية دليل على بطلان قولهم ذلك. والذي وقفت عليه في معتبرات كتبهم أنهم لا يجوزون النسيان، وكذا السهو على النبـي صلى الله عليه وسلم وكذا على سائر الأنبياء عليهم السلام فيما يؤديه عن الله تعالى من القرآن والوحي، وأما ما سوى ذلك فيجوزون عليه عليه الصلاة والسلام أن ينساه ما لم يؤد إلى إخلال الدين.

وأنا أرى أن محل الخلاف النسيان الذي لا يكون منشؤه اشتغال السر بالوساوس والخطرات الشيطانية فإن ذلك مما لا يرتاب مؤمن في استحالته على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3