الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ }

{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } فلا يعجزه أحد منهم ولا يحول بينه سبحانه وبين ما يريده فيهم، و { فَوْقَ } نصب على الظرفية حال أو خبر بعد خبر، وقد تقدم الكلام مبسوطاً فيما للعلماء في هذه الآية { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } من الملائكة وهم الكرام الكاتبون المذكورون في قوله تعالى:وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ * كِرَاماً كَـٰتِبِينَ } [الانفطار: 10-11] أو المعقبات المذكورة في قوله سبحانه:لَهُ مُعَقّبَـٰتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 11]، وقيل: المراد ما يشمل الصنفين، ويقدر المحفوظ الأعمال والأنفس والأعم. وعن قتادة يحفظون العمل والرزق والأجل. والذي ذهب إليه أكثر المفسرين المعنى الأول في الحفظة. وهم عند بعض يكتبون الطاعات والمعاصي والمباحات بأسرها كما يشعر بذلكمَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [الكهف: 49] وجاء في الأثر تفسير الصغيرة بالتبسم والكبيرة بالضحك ومَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [قۤ: 18] وقال آخرون: لا يكتبون المباحات إذ لا يترتب عليها شيء. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن مع كل إنسان ملكين أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فإذا تكلم الإنسان بحسنة كتبها من على اليمين وإذا تكلم بسيئة قال من على اليمين لمن على اليسار: لتنتظره لعله يتوب منها فإن لم يتب كتب عليه والمشهور أنهما على الكتفين، وقيل: على الذقن، وقيل: في الفم يمينه ويساره. واللازم الإيمان بهما دون تعيين محلهما والبحث عن كيفية كتابتهما، وظواهر الآيات تدل على أن اطلاع هؤلاء الحفظة على الأقوال والأفعال كقوله تعالى:مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } [قۤ: 18] الخ، وقوله سبحانه:يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 12] وأما على صفات القلوب كالإيمان والكفر مثلاً فليس في الظواهر ما يدل على اطلاعهم عليها، والأخبار بعضها يدل على الاطلاع كخبر " إذا هم العبد بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة " فإن الهم من أعمال القلب كالإيمان والكفر، وبعضها يدل على عدم الاطلاع كخبر " إذا كان يوم القيامة يجاء بالأعمال في صحف محكمة فيقول الله تعالى اقبلوا هذا وردوا هذا فتقول الملائكة وعزتك ما كتبنا إلا ما عمل فيقول سبحانه: إن عمله كان لغيري وإني لا أقبل اليوم إلا ما كان لوجهي " وفي رواية مرسلة لابن المبارك " إن الملائكة يرفعون أعمال العبد من عباد الله تعالى فيستكثرونه ويزكونه حتى يبلغوا به حيث شاء الله تعالى من سلطانه فيوحي الله تعالى إليهم إنكم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا لم يخلص في عمله فاجعلوه في سجين " الحديث. والقائل بأنهم لا يكتبون إلا الأعمال الظاهرة يقول: معنى ـ كتبت ـ في حديث الهم بالحسنة ثبتت عندنا وتحققت لا كتبت في صحف الملائكة.

السابقالتالي
2 3