الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ وَكَذَلِكَ نفَصّلُ } أي دائماً { الآيَـٰتِ } أي القرآنية في صفة أهل الطاعة وأهل الإجرام المصرين منهم والأوابين. والتشبيه هنا مثله فيما تقدم آنفاً { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } بتأنيث الفعل بناء على تأنيث الفاعل وهي قراءة ابن كثير وابن عامر وأبـي عمرو ويعقوب وحفص عن عاصم، وهو عطف على علة محذوفة للفعل المذكور لم يقصد تعليله بها بخصوصها، وإنما قصد الإشعار بأن له فوائد جمة من جملتها ما ذكر أو علة لفعل مقدر وهو عبارة عن المذكور كما يشير إليه أبو البقاء فيكون مستأنفاً أي ولتتبين سبيلهم نفعل ما نفعل من التفصيل. وقرأ نافع بالتاء ونصب السبيل على أن الفعل متعد أي ولتستوضح أنت يا محمد سبيل المجرمين فتعاملهم بما يليق بهم. وقرأ الباقون بالياء التحتية ورفع السبيل على أن الفعل مسند للمذكر. وتأنيث السبيل وتذكيره لغتان مشهورتان.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات:إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [الأنعام: 36] قال ابن عطاء: أخبر سبحانه بهذه الآية أن أهل السماع هم الأحياء وهم أهل الخطاب والجواب. وأخبر أن الآخرين هم الأموات. وقال غيره: المعنى أنه لا يستجيب إلا من فتح الله سبحانه سمع قلبه بالهداية الأصلية ووهب له الحياة الحقيقية بصفاء الاستعداد ونور الفطرة لا موتى الجهل الذين ماتت غرائزهم بالجهل المركب أو بالحجب الجبلية أو لم يكن لهم استعداد بحسب الفطرة فإنهم قد صموا عن السماع ولا يمكنهم ذلك بل يبعثهم الله تعالى إليه بالنشأة الثانية ثم يرجعون إليه سبحانه في عين الجمع المطلق للجزاء والمكافاة مع احتجابهم، وقيل: الآية إشارة إلى أهل الصحو وأهل المحو { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } حيث / فطروا على التوحيد وجبلوا على المعرفة ولهم مشارب من بحر خطاب الله تعالى وأفنان من أشجار رياض كلماته سبحانه وحنين إليه عز وجل وتغريد باسمه عز اسمه. قيل: إن سمنون المحب كان إذا تكلم في المحبة يسقط الطير من الهواء. وروي في بعض الآثار أن الضب بعد أن تكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد برسالته أنشأ يقول:
ألا يا رسول الله إنك صادق   فبوركت مهدياً وبوركت هادياً
وبوركت في الآزال حياً وميتا   وبوركت مولوداً وبوركت ناشياً
وإن فيهم أيضاً المحتجبين ومرتكبـي الرذائل وغير ذلك. وقد تقدم الكلام في هذا المبحث مفصلاً { مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلكِتَـٰبِ } أي كتاب أعمالهممِن شَىْء ثُمَّ إِلَىٰ رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ } [الأنعام: 38] في عين الجمع { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ } لاحتجابهم بغواشي صفات نفوسهم { بِـئَايَـٰتِنَا } وهي تجليات الصفات { صُمٌّ } فلا يسمعون بآذان القلوب { وبكم } فلا ينطقون بألسنة العقول { فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } وهي ظلمات الطبيعة وغياهب الجهل { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } بإسبال حجب جلاله

السابقالتالي
2 3 4