الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا } هم كما روي عن عكرمة الذين نهى صلى الله عليه وسلم عن طردهم. والمراد بالآيات القرآنية أو الحجج مطلقاً، وجوز في الباء أن تكون صلة الإيمان وأن تكون سببية أي يؤمنون بكل ما يجب الإيمان به سبب نزول الآيات أو النظر فيها والاستدلال بها وفي وصف أولئك الكرام بالإيمان بعد وصفهم بما وصفهم سبحانه به تنبيه على حيازتهم لفضيلتي العلم والعمل، وتأخير هذا الوصف مع أنه كالمنشأ للوصف السابق لما أن مدار الوعد بالرحمة هو الإيمان كما أن مناط النهي عن الطرد فيما سبق هو المداومة على العبادة، وتقدم في رواية ابن المنذر عن عكرمة ما يشير إلى أنها نزلت في عمر رضي / الله تعالى عنه، وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وأمر صيغة الجمع على هذا ظاهر. وأخرج عبد بن حميد ومسدد في «مسنده» وابن جرير وآخرون عن ماهان قال: أتى قوم النبـي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فما رد عليه الصلاة والسلام عليهم شيئاً فانصرفوا فأنزل الله تعالى الآية فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم. وروي عن أنس مثل ذلك، وقيل: لم تنزل في قوم بأعيانهم بل هي محمولة على إطلاقها واختاره الإمام. والمشهور الأول وسياق الآية يرجح ما روي عن ماهان.

{ فَقُلْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } أمر منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يبدأهم بالسلام في محل لا ابتداء به فيه إكراماً لهم بخصوصهم كما روى عن عكرمة واختاره الجبائي، وقيل: أمره سبحانه أن يبلغهم تحيته عز شأنه وروي ذلك عن الحسن وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن المعنى اقبل عذرهم واعترافهم وبشرهم بالسلامة مما اعتذروا منه. وعليه لا يكون السلام بمعنى التحية. وهو أيضاً مبني على سبب النزول عنده رضي الله تعالى عنه، واختار بعضهم أنه بهذا المعنى أيضاً على تقدير أن يراد بالموصول ما روي عن عكرمة فيكون الكلام أمراً له عليه الصلاة والسلام أن يبشرهم بالسلام من كل مكروه بعد إنذار مقابليهم.

وقوله تعالى: { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أي أوجبها على ذاته المقدسة تفضلاً وإحساناً بالذات لا بتوسط شيء [ما] أصلاً وفيه احتمال آخر تقدم تبشير لهم بسعة رحمة الله تعالى. ولم يعطف على جملة السلام مع أنه محكي بالقول أيضاً قيل لأنها دعائية إنشائية، وقيل: إشارة إلى استقلال كل من مضموني الجملتين وهما السلامة من المكاره ونيل المطالب بالبشارة. وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار اللطف بهم وإشعار بعلة الحكم. وتمام الكلام في الآية قد مر عن قريب.

السابقالتالي
2 3