الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }

نعم التقديم في قوله تعالى: { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ } للتخصيص أي بل تخصونه سبحانه بالدعاء وليس لرعاية الفواصل، والتخصيص مستفاد مما بعد وهو عطف على جملة منفية تفهم من الكلام السابق كأنه قيل: لا غير الله تدعون بل إياه تدعون، وجعله في «الكشف» عطفاً علىأَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } [الأنعام: 4] وأورد الزمخشري على كون { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } متعلق الاستخبار أن قوله سبحانه: { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ } أي ما تدعونه إلى كشفه مع قوله تعالى:أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } [الأنعام: 40] يأباه فإن قوارع الساعة لا تكشف عن المشركين. وأجاب بأنه قد اشترط في الكشف المشيئة بقوله جل شأنه: { إِن شَاء } وهو عز وجل لا يشاء كشف هاتيك القوارع عنهم، وخص الإيراد بذلك الوجه ـ على ما في «الكشف»ـ لأن الشرطين فيه لما كانا متعلقين بقوله سبحانه:أَغَيْرَ } [الأنعام: 40] الخ وكان { بَلْ إِيَّـٰهُ } الخ عطفاً عليه إضراباً عنه والمعطوف في حكم المعطوف عليه وجب أن يكونا متعلقين به أيضاً. ولما كان الكشف مستعقب الدعاء مستفاداً عنه وجب أن يكونا متعلقين به أيضاً فجاء سؤال أن قوارع الساعة لا تكشف. وأما في الوجه الآخر فلأن { أَغَيْرَ } الخ لما كان كلاماً مستقلاً لم يتعلق به الشرطان لفظاً بل جاز أن يقدرا أو هو الظاهر إن ساعد المعنى، وأن يقدر واحد منهما حسب استدعاء / المقام وذلك أنه سبحانه بكتهم بما كانوا عليه من اختصاصهم إياه تعالى بالدعاء عند الكرب ألا ترى إلى قوله جل شأنه:ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـئَرُونَ } [النحل: 53] فلا مانع من ذكر أمرين والتقريع على أحدهما دون الآخر لا سيما عند اختصاصه بالتقريع انتهى. وربما يقال: إن كشف القوارع الدنيوية والأخروية بدعاء المؤمن أو المشرك بل قبول الدعاء مطلقاً مشروط بالمشيئة وبذلك تقيد آيةٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186] لكن انتفاء المشيئة متحقق في بعض الصور كما في قبول دعاء الكفار بكشف قوارع الساعة وما يلقونه من سوء الجزاء على كفرهم وكشف بعض الأهوال عنهم ككرب طول الوقوف حين يشفع صلى الله عليه وسلم فيشفع في الفصل بين الخلائق يومئذٍ ليس من باب استجابة دعائهم في شيء.

على أن كرب طول الوقوف الذي يفارقونه نعيم بالنسبة إلى ما يلاقونه بعد وإن لم يعلموا ذلك قبل فالقوارع محيطة بهم في ذلك اليوم لا تفارقهم أصلاً وإنما ينتقلون فيها من شديد إلى أشد، فقول بعضهم إثر قول الزمخشري: فإن قوارع الساعة لا تكشف عن المشركين الأحسن عندي أن هول القيامة يكشف أيضاً ككرب الموقف إذا طال كما ورد في حديث الشفاعة العظمى إلا أن الزمخشري لم يذكره لأن المعتزلة قائلون بنفي الشفاعة وقد غفل عن هذا من اتبعه كلام خال عن التحقيق، والمعتزلة على ما في «مجمع البحار» لا ينفون الشفاعة في فصل القضاء وإنما ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر والكفار في النجاة من النار.

السابقالتالي
2