الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }

{ قُلْ أَرَأَيْتُكُم } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبكتهم ويلقمهم الحجر بما لا سبيل لهم إلى إنكاره. والتاء على ما قاله أبو البقاء ضمير الفاعل وما بعده حرف خطاب جىء به للتأكيد وليس اسماً لأنه لو كان كذلك لكان إما مجروراً ولا جار هنا أو مرفوعاً وليس من ضمائر الرفع ولا مقتضى له أيضاً أو منصوباً وهو باطل لثلاثة أوجه، الأول: أن هذا الفعل قلبـي بمعنى علم يتعدى إلى مفعولين كقولك: أرأيت زيداً ما فعل فلو جعل المذكور مفعولاً لكان ثالثاً. والثاني: أنه لو جعل مفعولاً لكان هو الفاعل في المعنى وليس المعنى على ذلك إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك ولذلك قلت: أرأيتك زيداً وزيد غير المخاطب ولا هو بدل منه. والثالث: أنه لو جعل كذلك لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء فكنت تقول: أرأيتماكما وأرأيتموكم وأرأيتكن وهذا مذهب البصريين.

والمفعولان في هذه الآية قيل: الأول: منهما محذوف تقديره أرأيتكم إياه أو إياها أي العذاب أو الساعة الواقعين في قوله سبحانه: { إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } أي الدنيوي حسبما أتى من قبلكم { أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } أي هو لها كما يدل عليه ما بعد لأن الكلام من باب التنازع حيث تنازع رأى وأتى في معمول واحد وهو { عَذَابَ ٱللَّهِ } و { ٱلسَّاعَةَ } فأعمل الثاني وأضمر في الأول. والثاني: منهما جملة الاستفهام وهي قوله تعالى { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } والرابط لها بالمفعول الأول محذوف أي أغير الله تدعون لكشف ذلك. وقيل: لا تنازع والتقدير أرأيتكم عبادتكم للأصنام أو الأصنام التي تعبدونها هل تنفعكم، وقيل: إن الجملة الاستفهامية سادة مسد المفعولين.

وذهب الرضي تبعاً لغيره أن رأى هنا بصرية وقيل: قلبية بمعنى عرف. وهي على القولين متعدية لواحد وأصل اللفظ الاستفهام عن العلم أو العرفان أو الإبصار إلا أنه تجوز به عن معنى أخبرني ولا يستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة لشيء. وفيه ـ على ما قال الكرماني ـ وغيره تجوزان إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار لأن الرؤية بأي معنى كانت سبب له. وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب. وقول بعضهم: إن الاستفهام للتعجيب لا ينافي كون ذلك بمعنى أخبرني لما قيل أنه بالنظر إلى أصل الكلام.

ونقل عن أبـي حيان أن الأخفش قال: إن العرب أخرجت هذا اللفظ عن معناه بالكلية فقالوا: أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة الثانية إذا كان بمعنى أخبرت وإذا كان بمعنى أبصرت لم تحذف همزته وألزمته أيضاً الخطاب على هذا المعنى / فلا تقول أبداً أراني زيد عمراً ما صنع وتقول هذا على معنى أعلم، وأخرجته أيضاً عن موضوعه بالكلية لمعنى إما بدليل دخول الفاء بعده كقوله تعالى:

السابقالتالي
2