الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

وقوله تعالى: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلأَرْضِ } كلام مستأنف مسوق ـ كما قال الطبرسي وغيره ـ لبيان كمال قدرته / عز وجل وحسن تدبيره وحكمته وشمول علمه سبحانه وتعالى فهو كالدليل على أنه تعالى قادر على الإنزال وإنما لا ينزل محافظة على الحكم الباهرة، وقيل: إنه دليل على أنه سبحانه وتعالى قادر على البعث والحشر، والأول أنسب. وزيدت { مِنْ } تنصيصاً على الاستغراق. والدابة ما يدب من الحيوان، وأصله من دب يَدِب [دبَّاً و] دبيباً إذا مشى مشياً فيه تقارب خطو. والجار والمجرور متعلق بمحذوف أو مجرور أو مرفوع وقع صفة لدابة، ووصفت بذلك لزيادة التعميم كأنه قيل: وما من فرد من أفراد الدواب يستقر في قطر من أقطار الأرض وجهها أو جوفها، وكذا الوصف في قوله سبحانه: { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } لزيادة التعميم أيضاً أي ولا فرد من أفراد الطير يطير في ناحية من نواحي الجو بجناحيه، وقيل: إنه لقطع مجاز السرعة فقد استعمل الطيران في ذلك كقوله:
قوم إذ الشر أبدى ناجذيه لهم   طاروا إليه زرافات ووحدانا
وكذا استعمل الطائر في العمل والنصيب مجازاً كما في قوله تعالى:وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ } [الإسراء: 13]. واحتمال التجوز مع ذلك بجعله ترشيحاً للمجاز بعيد لا يلتفت إليه بدون قرينة. واختار بعض المتأخرين أن وجه الوصف تصوير تلك الهيئة الغريبة الدالة على كمال القوة والقدرة. وأورد على الوجهين السابقين أنه لو قيل: ولا طائر في السماء لكان أخصر وفي إفادة ذينك الأمرين أظهر مع ما فيه من رعاية المناسبة بين القرينتين بذكر جهة العلو في إحداهما وجهة السفل في الأخرى، ورد ـ كما قال الشهاب ـ بأنه لو قيل: في السماء يطير بجناحيه لم يشمل أكثر الطيور لعدم استقرارها في السماء، ثم إن قصد التصوير لا ينافي قطع المجاز إذ لا مانع من إرادتهما جميعاً كما لا يخفى. ثم لما كان المقصود من ذكر هذين الأمرين الدلالة على كمال قدرته جل وعلا ببيان ما يعرفونه ويشاهدونه من هذين الجنسين وشمول قدرته وعلمه سبحانه لهما كان غيرهما غير مقصود بالبيان، فالاعتراض بأن أمثال حيتان البحر خارجة عنهما، والجواب بأنها داخلة في القسم الأول لأن الأرض فيه بمعنى جهة السفل مما لا يلتفت إليه. وقرأ ابن أبـي عبلة { وَلاَ طَائر } بالرفع عطف على محل الجار والمجرور كأنه قيل: وما دابة ولا طائر.

{ إِلاَّ أُمَمٌ } أي طوائف متخالفة { أَمْثَـٰلَكُم } في أن أحوالها محفوظة وأمورها (معنية) ومصالحها مرعية جارية على سنن السداد منتظمة في سلك التقديرات الإلٰهية والتدبيرات الربانية. وجمع الأمم باعتبار الحمل على معنى الجمعية المستفاد من العموم كما اختاره غير واحد، وهو يقتضي جواز أن يقال: لا رجل قائمون، والقياس ـ كما قيل ـ لا يأباه إلا أنه لم يرد إلا مع الفصل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6