الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ }

{ وَإِن كَانَ كَبُرَ } أي شق وعظم وأتى بكان ـ على ما قيل ـ ليبقى الشرط على المضي ولا ينقلب مستقبلاً لأن كان لقوة دلالته على المضي لا تقلبه إن للاستقبال بخلاف سائر الأفعال وهو مذهب المبرد، والنحويون يؤولون ذلك بنحو وإن تبين وظهر أنه كبر { عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } أي الكفار عن الايمان بك وبما جئت به من القرآن المجيد حسبما يفصح عنه قولهم فيه أساطير الأولين وينبىء عنه فعلهم من النأي والنهي، ولعل التعبير بالإعراض دون التكذيب مع أن التسلية على ما ينبىء عنه قوله تعالى:وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } [الأنعام: 34] كانت عنه لتهويل أمر التكذيب وهو فاعل { كَبُرَ } ، وتقديم الجار والمجرور لما مر مراراً. والجملة خبر { كَانَ } مفسرة لاسمها الذي هو ضمير الشأن. ولا حاجة إلى تقدير قد، وقيل: اسم كان { إِعْرَاضُهُمْ } ، و { كَبُرَ } مع فاعله المستتر الراجع إلى الاسم خبر لها مقدم على اسمها، والكلام استئناف مسوق لتأكيد إيجاب الصبر المستفاد من التسلية ببيان أن ذلك أمر لا محيد عنه أصلاً. وفي بعض الآثار أن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في محضر من قريش فقالوا: يا محمد ائتنا بآية من عند الله تعالى كما كانت الأنبياء تفعل وإنا نصدقك فأبى الله تعالى أن يأتيهم بآية مما اقترحوا فأعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه عليه الصلاة والسلام لما أنه كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على إيمان قومه فكان إذا سألوه آية يود أن ينزلها الله تعالى طمعاً في إيمانهم فنزلت: { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ } أي إن قدرت وتهيأ لك { أَن تَبْتَغِىَ } أي تطلب { نَفَقاً فِى ٱلأَرْضِ } «هو السَّرَب فيها له مخلص إلى مكان» كما في «القاموس»، وأصل معناه جحر اليربوع، ومنه «النافقاء لأحد منافذه، ويقال لها النُفَقَة كهُمَزَة وهي التي يكتمها ويظهر غيرها فإذا أُتِيَ من القاصِعَاء ضربها برأسه فانتفق» ومنه أخذ النفاق، والجار متعلق بمحذوف وقع صفة { نَفَقاً } والكلام على التجريد في رأي، وجوز تعلقه بتبتغي وبمحذوف وقع حالاً من ضميره المستتر أي نفقاً كائناً في الأرض أو تبتغي في الأرض أو تبتغي أنت حال كونك في الأرض { أَوْ سُلَّماً فِى ٱلسَّمَاء } أي مرقاة فيها أخذاً من السلامة، قال الزجاج: لأنه الذي يسلمك إلى مصعدك، وهو كما قال الفراء: مذكر واستشهدوا لتذكيره بقوله تعالى:أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } [الطور: 38] ثم قال: وأنشدت في تأنيثه بيتاً أنسيته انتهى. قال الغضايري: البيت الذي أنسيه الفراء بيت أوس وهو:
لنا سلم في المجد لا يرتقونها   وليس لهم في سورة المجد سلم

السابقالتالي
2 3 4 5