الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } كلام مسوق لحكاية ما صدر في الدنيا عن بعض المشركين من أحكام الكفر ثم بيان ما سيصدر عنهم يوم الحشر تقريراً لما قبله وتحقيقاً لمضمونه. وضمير { مِنْهُمْ } للذين أشركوا. والاستماع بمعنى الإصغاء وهو لازم يعدى باللام وإلى كما صرح به أهل اللغة، وقيل: إنه مضمن معنى الإصغاء ومفعوله مقدر وهو القرآن. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية أبي صالح: إن أبا سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبيا بن خلف استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم / وهو يقرأ القرآن فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول إلا أني أرى تحرك شفتيه يتكلم بشيء فما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية. وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى وكان يحدث قريشاً فيستملحون حديثه فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأفرد ضمير { مِنْ } في { يَسْتَمِعِ } وجمعه في قوله سبحانه { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } نظراً إلى لفظه ومعناه وعن الكرخي إنما قيل: هنا { يَسْتَمِعِ } وفي يونس [42]يَسْتَمِعُونَ } لأن ما هنا في قوم قليلين فنزلوا منزلة الواحد وما هناك في جميع الكفار فناسب الجمع، وإنما لم يجمع ثم في قوله سبحانه:وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ } [يونس: 43] لأن المراد النظر المستتبع لمعاينة أدلة الصدق وأعلام النبوة والناظرون كذلك أقل من المستمعين للقرآن.

والجعل بمعنى الإنشاء. والأكنة جمع كنان كغطاء وأغطية لفظاً ومعنى لأن فعالاً بفتح الفاء وكسرها يجمع في القلة على أفعلة كأحمرة وأقذلة، وفي الكثرة على فعل كحمر إلا أن يكون مضاعفاً أو معتل اللام فيلزم جمعه على أفعلة كأكنة وأخبية إلا نادراً. وفعل الكن ثلاثي ومزيد يقال: كنه وأكنه كما قاله الطبرسي وغيره وفرق بينهما الراغب فقال: أكننت يستعمل لما يستر في النفس والثلاثي لغيره والتنوين للتفخيم. والواو للعطف والجملة معطوفة على الجملة قبلها عطف الفعلية على الاسمية، وقيل: الواو للحال أي وقد جعلنا. و { عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } متعلق بالفعل قبله. وزعم أبو حيان أنه «إن كان بمعنى ألقى فالظرف متعلق به وإن كان بمعنى صير فمتعلق بمحذوف إذ هو في موضع المفعول الثاني». والمعنى على ما ذكرنا وأنشأنا على قلوبهم أغطية كثيرة لا يقادر قدرها.

{ أَن يَفْقَهُوهُ } أي كراهة أن يفهموا ما يستمعونه من القرآن المدلول عليه بذكر الاستماع فالكلام على تقدير مضاف ومنهم من قدر لا دونه أي أن لا يفقهوه وكذلك يفعلون في أمثاله، وجوز أن يكون مفعولاً به لما دل عليه قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي منعناهم أن يفقهوه أو لما دل عليه { أَكِنَّةً } وحده من ذلك { وَفِى ءاذَانِهِمْ وَقْرًا } أي صمماً وثقلاً في السمع يمنع من استماعه على ما هو حقه.

السابقالتالي
2 3