الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

{ ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ } أي في قولهممَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] وأجابوا بأنه ليس المراد أنهم كذبوا في الآخرة بل المراد: أنظر كيف كذبوا { عَلَى أَنفُسِهِمْ } في الدنيا. ورد بأن الآية لا تدل على هذا المعنى بوجه ولا تنطبق عليه لأنها في شأن خسرهم وأمرهم في الآخرة لا في الدنيا بل تنبو عنه أشد نبو لأن أول النظم الكريم وآخره في ذلك فتخلل بيان حالهم في الدنيا تفكيك له وتعسف جداً. ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور أيضاً قوله تعالى:يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْء أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ } [المجادلة: 18] بعد قوله سبحانه:وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [المجادلة: 14] حيث شبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا، ويشير إلى هذا التشبيه أيضاً الأمر بالنظر كما لا يخفى على من نظر.

وذكر ابن المنير «أن في الآية دليلاً بينا على أن الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به كذب وإن لم يعلم المخبر مخالفة خبره لمخبره ألا تراه سبحانه جعل إخبارهم وتبرأهم كذباً مع أنه جل شأنه أخبر عنهم بقوله تعالى: { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي سلبوا علمه حينئذ دهشاً وحيرة فلم يرفع ذلك إطلاق الكذب عليهم»، وأنت تعلم أن تفسير هذه الجملة بما ذكر غير ظاهر. والمروي عن الحسن أن { ما } موصولة والمراد بها الأصنام التي كانوا يعبدونها ويقولون فيها:هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18] أو نحو ذلك. وإيقاع الافتراء عليها مع أنه في الحقيقة واقع على أحوالها للمبالغة في أمرها كأنها نفس المفتري أي زالت وذهبت عنهم أوثانهم التي يفترون فيها ما يفترون فلم تغن عنهم من الله شيئاً، وقيل: إن { مَا } مصدرية أي ضل افتراؤهم كقوله سبحانه:ضَلَّ سَعْيُهُمْ } [الكهف: 104] أي لم ينفعهم ذلك. والجملة قيل: مستأنفة، وقيل: واختاره شيخ الإسلام «إنها عطف على { كَذَّبُواْ } داخل معه في حكم التعجب إذ الاستفهام السابق المعلق لأنظر لذلك. وجعل المعنى على احتمال الموصول والمصدرية أنظر كيف كذبوا باليمين الفاجرة المغلظة على أنفسهم بإنكار صدور ما صدر عنهم وكيف ضل عنهم أي زال وذهب افتراؤهم أو ما كانوا يفترونه من الإشراك حتى نفوا صدوره عنهم بالكلية وتبرؤوا [منه] بالمرة».