الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }

{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } أصل معنى الفتنة على ما حققه الراغب من الفتن وهو إدخال الذهب النار لتعلم جودته من رداءته ثم استعمل في معان كالعذاب والاختبار والبلية والمصيبة والكفر والإثم والضلال / والمعذرة. واختلف في المراد هنا فقيل: الشرك، واختار هذا القول الزجاج ورواه عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وكأن التعبير عن الشرك بالفتنة أنها ما تفتتن به ويعجبك وهم كانوا معجبين بكفرهم مفتخرين به. والكلام حينئذ إما على حذف مضاف كما يقتضيه ظاهر كلام البعض، وإما على جعل عاقبة الشيء عينه ادعاء وهو أحلى مذاقاً وأبعد مغزى والحصر إضافي بالنسبة إلى جنس الأقوال أو ادعائي.

وقوله تعالى: { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } كناية عن التبري عن الشرك وانتفاء التدين به أي ثم لم يكن عاقبة شركهم شيئاً إلا تبرئهم منه، ونص الزجاج أن مثل ما في الآية أن ترى إنساناً يحب غاوياً فإذا وقع في مهلكة تبرأ منه فيقال له: ما كان محبتك لفلان إلا أن تبرأت منه وليس ذلك من قبيل عتابك السيف ولا من تقدير المضاف وإن صح ذلك فيه وهو معنى حسن لطيف لا يعرفه إلا من عرف كلام العرب، وقيل: المراد بها العذر واستعملت فيه لأنها على ما تقدم التخليص من الغش والعذر يخلص من الذنب فاستعيرت له. وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً وأبي عبد الله وقتادة ومحمد بن كعب رضي الله تعالى عنهم، وقيل: الجواب بما هو كذب. ووجه الإطلاق أنه سبب الفتنة فتجوز بها عنه إطلاقاً للمسبب على السبب، ويحتمل أن يكون هناك إستعارة لأن الجواب مخلص لهم أيضاً كالمعذرة. قيل: والحصر على هذين القولين حقيقي والجملة القسمية على ظاهرها.

و { تَكُنْ } بالتاء الفوقانية، و { فِتْنَتُهُمْ } بالرفع قراءة ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وقرأ حمزة. والكسائي { يَكُنِ } بالياء التحتانية و { فِتْنَتُهُمْ } بالنصب، وكذا قرأ { رَبّنَا } بالنصب على النداء أو المدح. وقرىء في الشواذ { رَبّنَا } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وهو توطئة لنفي إشراكهم وفائدته رفع توهم أن يكون نفي الإشراك بنفي الإلهية عنه تقدس وتعالى. وقرأ الباقون بالتاء من فوق ونصب { فِتْنَتُهُمْ } أيضاً، وخرجوا قراءة الأولين على أن { فِتْنَتُهُمْ } اسم { تَكُنْ } وتأنيث الفعل لإسناده إلى مؤنث و { أَن قَالُواْ } خبره. وقرأ حمزة والكسائي على أن { أَن قَالُواْ } هو الاسم ولم يؤنث الفعل لإسناده إلى مذكر و { فِتْنَتُهُمْ } هو الخبر. وقراءة الباقين على نحو هذا خلا أن التأنيث فيها بناء على مذهب الكوفيين فإنهم يجيزون في سعة الكلام تأنيث اسم كان إذا كان مصدراً مذكراً وكان الخبر مؤنثاً مقدماً كقوله:

السابقالتالي
2