الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } منصوب على الظرفية بمضمر يقدر مؤخراً وضمير { نَحْشُرُهُمْ } للكل أو للعابدين للآلهة الباطلة مع معبوداتهم و { جَمِيعاً } حال منه أي ويوم نحشر كل الخلق أو الكفار وآلهتهم جميعاً ثم نقول لهم ما نقول كان كيت وكيت. وترك هذا الفعل من الكلام ليبقى على الإبهام الذي هو أدخل في التخويف والتهويل. وقدر ماضياً ليدل على التحقيق ويحسن عطفثُمَّ لَمْ تَكُنْ } [الأنعام: 23] الخ عليه، وجوز نصبه على المفعولية بمضمر مقدر أي واذكر لهم للتخويف والتحذير يوم نحشرهم واختاره أبو البقاء، وقيل: التقدير ليتقوا أو ليحذروا يوم نحشرهم الخ.

{ ثُمَّ نَقُولُ } للتوبيخ والتقريع على رؤوس الأشهاد { لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } بالله تعالى ما لم ينزل به سلطاناً: { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ } أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله عز اسمه فالإضافة لأدنى ملابسة و { أَيْنَ } للسؤال عن غير الحاضر، وظاهر قوله تعالى:ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوٰجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [الصافات: 22] وغيره من الآيات يقتضي حضورهم معهم في المحشر فأما أن يقال: إن هذا السؤال حين يحال بينهم بعد ما شاهدوهم ليشاهدوا خيبتهم كما قيل:
كما أبرقت قوماً عطاشاً غمامة   فلما رأوها أقشعت وتجلت
وإما أن يقال: إنه حال مشاهدتهم لهم لكنهم لما لم ينفعوهم نزلوا منزلة الغيب كما تقول لمن جعل أحداً ظهيراً يعينه في الشدائد إذا لم يعنه وقد وقع في ورطة بحضرته أين زيد؟ فتجعله لعدم نفعه وإن كان حاضراً كالغائب أو الكلام على تقدير مضاف أي أين نفعهم وجدواهم؟، والتزم بعضهم القول بأنهم غيب لظاهر / السؤال، وقوله تعالى: { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ ٱلَّذِينَ } إلى قوله سبحانهوَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [الأنعام: 94]. وأجيب أن يكون ذلك في موطن آخر جمعا بين الآيات أو المعنى وما نرى شفاعة شفعائكم.

وقال شيخ الإسلام: «إن هذا السؤال المنبىء عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها للآيات الدالة على ذلك إنما يقع بعد ما جرى بينها وبينهم من التبري من الجانبين وتقطع ما بينهم من الأسباب حسبما يحكيه قوله سبحانه:فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس: 28] الخ ونحوه إما بعدم حضورها حينئذ في الحقيقة بإبعادها من ذلك الموقف، وإما بتنزيل عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث [ذواتها بل وإنما هو من حيث] هي شركاء كما يعرب عنه الوصف بالموصول، ولا ريب في أن عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة وإن كانت حاضرة من حيث ذواتها أصناماً كانت أو لا. وأما ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بها الرجاء [فيها] فيروا مكان خزيهم وحسرتهم فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد.

السابقالتالي
2