الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ }

{ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ } استئناف مسوق لبيان [بطلان] كفرهم بالبعث والخطاب وإن صح كونه عاماً لكنه هنا خاص بالذين كفروا كما يدل عليه الخطاب الآتي ففيه التفات. والنكتة فيه زيادة التشنيع والتوبيخ، وتخصيص خلقهم بالذكر من بين سائر أدلة صحة البعث مع أن ما تقدم من أظهر أدلته لما أن دليل الأنفس أقرب إلى الناظر من دليل الآفاق الذي في الآية السابقة، ومعنى خلق المخاطبين من طين أنه ابتدأ خلقهم منه فإنه المادة الأولى [للكل] لما أنه أصل آدم عليه الصلاة والسلام وهو أصل سائر البشر، ولم ينسب سبحانه الخلق إليه عليه الصلاة والسلام مع أنه المخلوق منه حقيقة وكفاية ذلك في الغرض الذي سيق له الكلام توضيحاً لمنهاج القياس ومبالغة في إزاحة الشبهة والالتباس، وقيل في توجيه خلقهم منه: إن الإنسان مخلوق من النطفة والطمث وهما من الأغذية الحاصلة من التراب بالذات أو بالواسطة.

وقال المهدوي في ذلك: إن كل إنسان مخلوق ابتداءً من طين لخبر " ما من مولود يولد إلا ويذر على نطفته من تراب حفرته " ، وفي القلب من هذا شيء، والحديث إن صح لا يخلو عن ضرب من التجوز، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي خلق آباءكم، وأياً ما كان ففيه من وضوح الدلالة على كمال قدرته تعالى شأنه على البعث ما لا يخفى فإن من قدر على إحياء ما لم يشم رائحة الحياة قط كان على إحياء ما قارنها مدة أظهر قدرة.

{ ثُمَّ قَضَى } أي قدر وكتب { أَجَلاً } أي حداً معيناً من الزمان للموت. و { ثُمَّ } للترتيب في الذكر دون الزمان لتقدم القضاء على الخلق، وقيل: الظاهر الترتيب في الزمان، ويراد بالتقدير والكتابة ما تعلم به الملائكة وتكتبه كما وقع في حديث «الصحيحين» " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد "

{ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } أي حد معين للبعث من القبور، وهو مبتدأ وصح الابتداء به لتخصيصه بالوصف أو لوقوعه في موقع التفصيل و { عِندَهُ } هو الخبر، وتنوينه لتفخيم شأنه وتهويل أمره. وقدم على خبره الظرف / مع أن الشائع في النكرة المخبر عنها به لزوم تقديمه عليها وفاء بحق التفخيم، فإن ما قصد به ذلك حقيق بالتقديم فالمعنى وأجل أي أجل مستقل بعلمه سبحانه وتعالى لا يقف على وقت حلوله سواه جل شأنه لا إجمالاً ولا تفصيلاً. وهذا بخلاف أجل الموت فإنه معلوم إجمالاً بناءاً على ظهور أماراته أو على ما هو المعتاد في أعمال الإنسان.

السابقالتالي
2 3