الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } قيل هو استعارة تمثيلية وتصوير لقهره سبحانه وتعالى وعلوه عز شأنه بالغلبة والقدرة، وجوز أن تكون الاستعارة في الظرف بأن شبه الغلبة بمكان محسوس، وقيل: إنه كناية عن القهر والعلو بالغلبة والقدرة، وقيل: إن { فَوْقَ } زائدة وصحح زيادتها ـ وإن كانت اسماً ـ كونها بمعنى على وهو كما ترى، والداعي إلى التزام ذلك كله أن ظاهر الآية يقتضي القول بالجهة والله تعالى منزه عنها لأنها محدثة بإحداث العالم وإخراجه من العدم إلى الوجود، ويلزم أيضاً من كونه سبحانه وتعالى في جهة مفاسد لا تخفى، وأنت تعلم أن مذهب السلف إثبات الفوقية لله تعالى كما نص عليه الإمام الطحاوي وغيره، واستدلوا لذلك بنحو ألف دليل، وقد روى الإمام أحمد في حديث الأوعال عن العباس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والعرش فوق ذلك والله تعالى فوق ذلك كله " وروى أبو داود عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده " قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استشفع بالله تعالى عليه: " ويحك أتدري ما الله تعالى؟ إن الله تعالى فوق عرشه وعرشه فوق سماواته وقال بأصابعه مثل القبة وانه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب "

وأخرج الأموي في «مغازيه» من حديث صحيح " أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال لسعد يوم حكم في بني قريظة: " لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات " وروى ابن ماجه يرفعه قال: " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا إليه رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم ثم قرأ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: { سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } [يۤس: 58] فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه " وصح أن عبد الله بن رواحة أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياته التي عرض بها عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته وهي:
شهدت بأن وعد الله حق   وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف   وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد   ملائكة الإلٰه مسومينا
فأقره عليه الصلاة والسلام على ما قال وضحك منه، وكذا أنشد حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قوله:
شهدت بإذن الله أن محمداً   رسول الذي فوق السماوات من عل
/ وأن أبا يحيـى ويحيـى كلاهما   له عمل من ربه متقبل
وأن الذي عادى اليهود ابن مريم   رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم   يقوم بذات الله فيهم ويعدل

السابقالتالي
2 3 4