الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

{ قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبّى } أمر له صلى الله عليه وسلم بأن يبين ما هو عليه من الدين الحق الذي يدعي المفرقون أنهم عليه وقد فارقوه بالكلية، وتصدير الجملة بحرف التحقيق لإظهار كمال العناية بمضمونها، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام لما مر غير مرة أي قل يا محمد لهؤلاء المفرقين أو للناس كافة: أرشدني ربـي بالوحي وبما نصب في الآفاق والأنفس من الآيات { إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } موصل إلى الحق. وقوله سبحانه: { دِينًا } بدل من محل { إِلَىٰ صِرٰطٍ } إذ المعنى فهداني صراطاً نظير قوله تعالى:وَيَهْدِيَكَ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح: 2] أو مفعول فعل مضمر دل عليه المذكور أي هداني أو أعطاني أو عرفني ديناً، وجوز أن يكون مفعولاً ثانياً للمذكور. وقوله سبحانه: { قَيِّماً } مصدر كالصغر والكبر نعت به مبالغة. وجوز أن يكون التقدير ذا قيم، والقياس قوماً كَعِوَض وحِوَل، فأُعِلَّ تبعاً لإعلال فعله أعني قام كالقيام. وقرأ كثير { قَيِّماً } وهو فيعل من قام أيضاً كسيد من ساد ـ وهو على ما قيل ـ أبلغ من المستقيم باعتبار الهيئة والمستقيم أبلغ منه باعتبار مجموع المادة والهيئة، وقيل: أبلغية المستقيم لأن السين للطلب فتفيد طلب القيام واقتضاءه، ولا فرق بين القيم والمستقيم في أصل المعنى عند الكثير، وفسروا القيم بالثابت المقوم لأمر المعاش والمعاد، وجعلوا المستقيم من استقام الأمر بمعنى ثبت وإلا لا يتأتى ما ذكر، وقيل: المستقيم مقابل المعوج والقيم الثابت الذي لا ينسخ.

{ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ } نصب بتقدير أعني أو عطف بيان لديناً بناء على جواز تخالف البيان والمبين تعريفاً وتنكيراً { حَنِيفاً } أي مائلاً عن الأديان الباطلة أو مخلصاً لله تعالى في العبادة وهو حال من إبراهيم، وقد أطبقوا على جواز مجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف جزءاً منه أو بمنزلة الجزء حيث يصح قيامه مقامه. والعامل في هذه الحال هو العامل في المضاف. وقيل: معنى الإضافة لما فيه من معنى الفعل المشعر به حرف الجر، وقد تقوى هذا المعنى هنا بما بين المتضايفين من الجزئية أو شبهها. وجوز أن يكون مفعولاً لفعل مقدر أي أعني حنيفاً.

{ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } اعتراض مقرر لنزاهته عليه الصلاة والسلام عما عليه المبطلون، وقيل: عطف على ما تقدم. وفيه رد على الذين يدعون أنهم على ملته عليه الصلاة والسلام من أهل مكة القائلين: الملائكة بنات الله واليهود القائلين: عزير ابن الله والنصارى القائلين: عيسى ابن الله.