الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }

{ ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ } كلام مسوق من جهته تعالى تقريراً للوصية وتحقيقاً لها وتمهيداً لما تعقبه من ذكر إنزال القرآن المجيد كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى التكلم معطوف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل بعد قوله سبحانه:ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ } [الأنعام: 152] بطريق الاستئناف تصديقاً له وتقريراً لمضمونه فعلنا ذلك { ثُمَّ آتَيْنَا } الخ. وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام قدس سره، وقيل: عطف على { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ }. وعن الزجاج أنه عطف على معنى التلاوة كأنه قيل: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم اتل عليهم ما آتاه الله تعالى موسى عليه السلام، وقيل: عطف علىقُلْ } [الأنعام: 151] وفيه حذف أي قل تعالوا ثم قل آتينا موسى الكتاب. وعن أبـي مسلم واستحسنه المغربـي أنه متصل بقوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام:وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } [الأنعام: 84] وذلك أنه سبحانه عد نعمته عليه بما جعل في ذريته من الأنبياء عليهم السلام ثم عطف عليه بذكر ما أنعم عليه بما آتى موسى عليه السلام من الكتاب والنبوة وهو أيضاً من ذريته، والكل كما ترى وإن اختلف مراتبه في الوهن.

وثم ـ كما قال الفراء ـ للترتيب الإخباري كما في نحو بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت (اليوم) أعجب. وتعقبه ابن عصفور بأنه ليس بشيء لأن ثم تقتضي تأخر الثاني عن الأول بمهلة ولا مهلة في الإخبارين فلا بد من الرجوع إلى أنها انسلخ عنها معنى الترتيب أو أنه ترتيب رتبـي كما يشير إليه قوله: أعجب في المثال وهو هنا ظاهر لأن إيتاء التوراة المشتملة على الأحكام والمنافع الجمة أعظم من هذه الوصية المشهورة على الألسنة، وبعضهم وجه الترتيب الإخباري المستدعي لتأخر الثاني عن الأول بأن الألفاظ المنقضية تنزل منزلة البعيد. وقيل: إنه باعتبار توسط جملةلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام: 153] بين المتعاطفين. وقال بعضهم: إن { ثُمَّ } هنا بمعنى الواو، وقد جاء ذلك كثيراً في الكتاب.

{ تَمَامًا } للكرامة والنعمة وهو في موقع المفعول له، وجاز حذف اللام لكونه في معنى إتماماً، وجوز أبو البقاء أن يكون مصدراً لقوله: { آتَيْنَا } من معناه لأن إيتاء الكتاب إتمام للنعمة كأنه قيل: أتممنا النعمة إتماماً فهو كنباتاً في قوله تعالى:وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17] وأن يكون حالاً من الكتاب أي تاماً { عَلَى ٱلَّذِى أَحْسَنَ } أي [على] من أحسن القيام به كائناً من كان فالذي للجنس. ويؤيده قراءة عبد الله { عَلَى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } وقراءة الحسن { عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ }. وعن الفراء أن الذي هنا مثلها في قوله:
إن الذي حانت بفلج دماؤهم   هم القوم كل القوم يا أم خالد

السابقالتالي
2