الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي } إشارة إلى شرعه عليه الصلاة والسلام على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويلائمه النهي الآتي، وعن مقاتل أنه إشارة إلى ما في الآيتين من الأمر والنهي، وقيل: إلى ما ذكر في السورة فإن أكثرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة. وقرأ حمزة والكسائي { إن } بالكسر وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف، والباقون به مشددة. وقرأ ابن عامر { صِرٰطِي } بفتح الياء، وقرىء { وَهَـٰذَا صِرٰطِي }. { وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبُّكُـمْ }. { وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبّكَ } وإضافة الصراط إلى الرب سبحانه من حيث الوضع وإليه عليه الصلاة والسلام من حيث السلوك والدعوة / أي هذا الصراط الذي أسلكه وأدعو إليه { مُّسْتَقِيماً } لا اعوجاج فيه، ونصبه على الحال { فَٱتَّبَعُوهُ } أي اقتفوا أثره واعملوا به { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } أي الضلالات كما أخرجه ابن جرير وابن أبـي حاتم عن ابن عباس، وفي رواية عنه أنها الأديان المختلفة كاليهودية والنصرانية، وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهما عن مجاهد أنها البدع والشبهات { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ } نصب في جواب النهي والأصل تتفرق فحذفت إحدى التاءين والباء للتعدية أي فتفرقكم حسب تفرقها أيادي سبأ فهو كما ترى أبلغ من تفرقكم كما قيل من أن ذهب به لما فيه من الدلالة على الاستصحاب أبلغ من أذهبه { عَن سَبِيلِهِ } أي سبيل الله تعالى الذي لا اعوجاج فيه ولا حرج لما هو دين الإسلام، وقيل: هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان، وفيه تنبيه على أن صراطه عليه السلام عين سبيل الله تعالى، وقد أخرج أحمد وجماعة عن ابن مسعود قال: " خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال: " هذا سبيل الله تعالى مستقيماً " ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: " وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ثم قرأ { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ } " الخ، وإنما أضيف إليه صلى الله عليه وسلم أولاً لأن ذلك أدعى للاتباع إذ به يتضح كونه صراط الله عز وجل.

{ ذٰلِكُمْ } إشارة إلى اتباع السبيل وترك اتباع السبل { وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } عقاب الله تعالى بالمثابرة على فعل ما أمر به والاستمرار على الكف عما نهى عنه. قال أبو حيان: «ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وأمر سبحانه باتباعه ونهى عن (اتباع غيره من) الطرق ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار إذ من اتبع صراطه نجاه النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية. وكرر سبحانه الوصية لمزيد التأكيد» ويا لها من وصية ما أعظم شأنها، وأوضح برهانها. وأخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والبيهقي في «الشعب» وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد عليه الصلاة والسلام بخاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات

السابقالتالي
2 3