الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ قُلْ تَعَالَوْاْ } أمر له صلى الله عليه وسلم بعد ما ظهر بطلان ما ادعوا أن يبين لهم من المحرمات ما يقتضي الحال بيانه على الأسلوب الحكيم إيذاناً بأن حقهم الاجتناب عن هذه المحرمات، وأما الأطعمة المحرمة فقد بينت فيما تقدم، و (تعال) أمر من التعالي والأصل فيه أن يقوله من هو في مكان عال لمن هو أسفل منه ثم اتسع فيه بالتعميم واستعمل استعمال المقيد في المطلق مجازاً، ويحتمل هنا ـ كما قيل ـ أن يكون على الأصل تعريضاً لهم بأنهم في حضيض الجهل ولو سمعوا ما يقال لهم ترقوا إلى ذروة العلم وقنة العز.

وقوله سبحانه: { ٱتْلُ } جواب الأمر أي أن تأتوني أتل، و (ما) في قوله تعالى: { مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } إما موصولة والعائد محذوف أي أقرأ الذي حرمه ربكم أي الآيات المشتملة عليه أو مصدرية أي تحريمه، والمراد الآية الدالة عليه، وهي في الاحتمالين في موضع نصب على المفعولية لأتل، وجوز أن تكون استفهامية فهي في موضع نصب على المفعولية لحرم، والجملة مفعول { ٱتْلُ } لأن التلاوة ومن باب القول فيصح أن تعمل في الجملة بناءً على المذهب الكوفي من أنه تحكي الجملة بكل ما تضمن معنى القول وغيرهم يقدر في ذلك قائلاً ونحوه. والمعنى هنا على الاستفهام تعالوا أقل لكم وأبين جواب أي شيء حرم ربكم، وقوله تعالى: { عَلَيْكُمْ } متعلق على / كل حال بحرم، وجوز أن يتعلق بأتل ورجح الأول بأنه أنسب بمقام الاعتناء بإيجاب الانتهاء عن المحرمات المذكورة، وهو السر في التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم، ولا يضر في ذلك كون المتلو محرماً على الكل كما لا يخفى.

{ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } أي من الإشراك أو شيئاً من الأشياء فشيئاً يحتمل المصدرية والمفعولية؛ وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في إعراب (أن لا). وبدأ سبحانه بأمر الشرك لأنه أعظم المحرمات وأكبر الكبائر { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ } أي أحسنوا بهما { إِحْسَـٰناً } كاملاً لا إساءة معه. وعن ابن عباس يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب فلا يغلظ لهما في الجواب ولا يحد النظر إليهما ولا يرفع صوته عليهما بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي سيده تذللاً لهما، وثنى الله تعالى بهذا التكليف لأن نعمة الوالدين أعظم النعم على العبد بعد نعمة الله تعالى لأن المؤثر الحقيقي في وجود الإنسان هو الله عز وجل والمؤثر في الظاهر هو الأبوان.

وعقب سبحانه التكليف المتعلق بالوالدين بالتكليف المتعلق بالأولاد لكمال المناسبة فقال سبحانه: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُمْ } بالوأد { مِّنْ إمْلَـٰقٍ } من أجل فقر أو من خشيته كما في قوله سبحانه:خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ }

السابقالتالي
2