الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

{ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ } أي أحضروهم للشهادة هو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز وفعل يؤنث ويثنى ويجمع عند بني تميم وهو مبني على ما اشتهر من أن ما ذكر من خصائص الأفعال. وعن أبـي علي الفارسي أن الضمائر قد تتصل بالكلمة وهي حرف كليس أو اسم فعل كهات لمناسبتها للأفعال. وعلى هذا تكون { هَلُمَّ } اسم فعل مطلقاً كما في «شرح التسهيل» وعليه الرضي حيث قال: وبنو تميم يصرفونه فيذكرونه ويؤنثونه ويجمعونه نظراً إلى أصله. وأصله عند البصريين هالم من لم إذا قصد حذفت الألف لتقدير السكون في اللام لأن أصله المم وعند الكوفيين هل أم فنقلت ضمة الهمزة إلى اللام وحذفت كما هو القياس، واستبعد بأن هل لا تدخل الأمر. ودفع بما نقله الرضي عنهم من أن أصل هل أم هلا أم وهلا كلمة استعجال بمعنى أسرع فغير إلى هل لتخفيف التركيب ثم فعل به مافعل. ويكون متعدياً بمعنى أحضر وائت ولازماً بمعنى أقبل كما في قوله تعالى:هَلُمَّ إِلَيْنَا } [الأحزاب: 18 ].

{ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا } وهم كبراؤهم الذين أسسوا ضلالهم. والمقصود من إحضارهم تفضيحهم وإلزامهم وإظهار أن لا متمسك لهم كمقلديهم ولذلك قيد الشهداء بالإضافة ووصفوا بما يدل على انهم شهداء معرفون بالشهادة لهم وبنصر مذهبهم. وهذا إشارة إلى ما حرموه من الأنعام على ما حكته الآيات السابقة.

/ وقال مجاهد: إشارة إلى البحائر والسوائب { فَإِن شَهِدُواْ } أي أولئك الشهداء المعرفون بالباطل بعد ما حضروا بأن الله حرم هذا { فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } أي فلا تصدقهم فإنه كذب بحت وبين لهم فساده لأن تسليمه منهم موافقة لهم في الشهادة الباطلة والسكوت قد يشعر بالرضا، وإرادة هذا المعنى من (لا تشهد) إما على سبيل الاستعارة التبعية أو المجاز المرسل من ذكر اللازم وإرادة الملزوم لأن الشهادة من لوازم التسليم أو الكناية أو هو من باب المشاكلة، ومن الناس من زعم أن ضمير { شَهِدُواْ } للمشركين أي فإن لم يجدوا شاهداً يشهد بذلك فشهدوا بأنفسهم لأنفسهم فلا تشهد وهو في غاية البعد، وأبعد منه بل هو للفساد أقرب قول من زعم أن المراد هلم شهداءكم من غيركم فإن لم يجدوا ذلك لأن غير العرب لا يحرمون ما ذكر وشهدوا بأنفسهم فلا تصدقهم.

{ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } من وضع المظهر موضع المضمر للإيماء إلى أن مكذب الآيات متبع الهوى لا غير وأن متبع الحجة لا يكون إلا مصدقاً بها، والخطاب ـ قيل ـ لكل من يصلح له. وقيل: لسيد المخاطبين والمراد أمته. { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } كعبدة الأوثان عطف على الموصول الأول بطريق عطف الصفة على الصفة مع اتحاد الموصوف فإن من يكذب بآياته تعالى لا يؤمن بالآخرة وبالعكس، وزعم بعضهم أن المراد بالموصول الأول المكذبون مع الإقرار بالآخرة كأهل الكتابين وبالموصول الثاني المكذبون مع إنكار الآخرة ولا يخفى ما فيه { وَهُم بِرَبِهِمْ يَعْدِلُونَ } أي يجعلون له عديلاً أي شريكاً فهو كقوله تعالى:

السابقالتالي
2