الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }

{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } حكاية لفن آخر من أباطيلهم والإخبار قبل وقوعه ثم وقوعه حسبما أخبر كما يحكيه قوله تعالى عند وقوعه:وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } [النحل: 35] صريح في أنه من / عند الله تعالى، وقد نص غير واحد على أن وقوع ما أخبر الله تعالى به من المغيبات من وجوه الإعجاز لكلامه وإن لم يكن الإعجاز به فقط كما في قول مضعف { لَوْ شَاء ٱللَّهُ } عدم إشراكنا وعدم تحريمنا شيئاً { مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ءابَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَىْءٍ } لم يريدوا بهذا الكلام الاعتذار عن ارتكاب القبيح إذ لم يعتقدوا قبح أفعالهم وهي أفعى لهم بل هم كما نطقت به الآياتيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 104] وأنهم إنما يعبدون الأصنام ليقربوهم إلى الله زلفى وأن التحريم إنما كان من الله عز وجل فما مرادهم بذلك إلا الاحتجاج على أن ما ارتكبوه حق ومشروع ومرضي عند الله تعالى بناء على أن المشيئة والإرادة تساوق الأمر وتستلزم الرضا كما زعمت المعتزلة فيكون حاصل كلامهم أن ما نرتكبه من الشرك والتحريم وغيرهما تعلقت به مشيئة الله تعالى وإرادته، وكل ما تعلق به مشيئته سبحانه وإرادته فهو مشروع ومرضي عنده عز وجل فينتج أن ما نرتكبه من الشرك والتحريم مشروع ومرضي عند الله تعالى.

وبعد أن حكى سبحانه ذلك عنهم رد عليهم بقوله عز من قائل { كَذٰلِكَ } أي مثل ما كذب هؤلاء { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } وهم أسلافهم المشركون. وحاصله أن كلامهم يتضمن تكذيب الرسل عليهم السلام وقد دلت المعجزة على صدقهم. ولا يخفى أن المقدمة الأولى لا تكذيب فيها نفسها بل هي متضمنة لتصديق ما تطابق فيه العقل والشرع من كون كل كائن بمشيئة الله تعالى وامتناع أن يجري في ملكه خلاف ما يشاء. فمنشأ التكذيب هو المقدمة الثانية لأن الرسل عليهم السلام يدعونهم إلى التوحيد ويقولون لهم: إن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر ديناً ولا يأمر بالفحشاء فيكون قولهم: إن ما نرتكبه مشروع ومرضي عنده تعالى تكذيب لهذا القول، وحيث كان فساد هذه الحجة باعتبار المقدمة الثانية تعين أنها ليست بصادقة وحينئذ يصدق نقيضها وهي أنه ليس كل ما تعلقت به المشيئة والإرادة بمشروع ومرضي عنده سبحانه بناء على أن الإرادة لا تساوق الأمر والرضا على ما هو مذهب أهل السنة إذ المشيئة ترجح بعض الممكنات على بعض مأموراً كان أو منهياً حسناً كان أو قبيحاً. وعلى هذا فلا حجة في الآية للمعتزلة بل قد انقلب الأمر فصارت الآية حجة لنا عليهم لأنهم لم يفرقوا بين المأمور والمراد واعتقدوا كالمشركين بأن كل مراد مأمور ومرضي، ويجوز أيضاً أن يقال: مقصود المشركين من قولهم ذلك رد دعوة الأنبياء عليهم السلام ورفع البعثة والتكليف وهو المذكور في كثير من الكتب الكلامية.

السابقالتالي
2