الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }

{ وَمِنَ ٱلإِبِلِ } زوجين { ٱثْنَيْنِ } الجمل والناقة، وهذا عطف على قوله سبحانه:وَمِنْ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ } [الأنعام: 143] «والإبل ـ كما قال الراغب ـ يقع على البُعْران الكثيرة ولا واحد له من لفظه» ويجمع ـ كما في «القاموس» ـ على آبال والتصغير أُبَيْلة». { وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ } هما الثور وأنثاه { قُلْ } إفحاماً لهم في أمر هذين النوعين أيضاً { ءآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ } الله تعالى منهما { أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } من ذينك النوعين، والمعنى ـ كما قال كثير من أجلة العلماء ـ إنكار أن الله تعالى حرم عليهم شيئاً من هذه الأنواع الأربعة وإظهار كذبهم في ذلك وتفصيل ما ذكر من الذكور والإناث وما في بطونها للمبالغة في الرد عليهم بإيراد الإنكار على كل مادة من / مواد افترائهم فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة وإناثها تارة وأولادها كيفما كانت تارة أخرى مسندين ذلك كله لله سبحانه، وإنما لم يل المنكر وهو التحريم الهمزة والجاري في الاستعمال أن ما نكر وليها لأن ما في النظم الكريم أبلغ. وبيانه ـ على ما قال السكاكي ـ أن إثبات التحريم يستلزم إثبات محله لا محالة فإذا انتفى محله وهو الموارد الثلاثة لزم انتفاء التحريم على وجه برهاني كأنه وضع الكلام موضع من سلم أن ذلك قد كان ثم طالبه ببيان محل كي يتبين كذبه ويفتضح عند المحاقة، وإنما لم يورد سبحانه الأمر عقيب تفصيل الأنواع الأربعة بأن يقال: قل آلذكور حرم أم الإناث أما اشتملت عليه أرحام الإناث لما في [التثنية و] التكرير من المبالغة أيضاً في الإلزام والتبكيت.

ونقل الإمام عن المفسرين أنهم قالوا: «إن المشركين من أهل الجاهلية كانوا يحرمون بعض الأنعام فاحتج الله سبحانه على إبطال ذلك بأن للضأن والمعز والإبل والبقر ذكراً وأنثى فإن كان قد حرم سبحانه منها الذكر وجب أن يكون كل ذكورها حراماً، وإن كان حرم جل شأنه الأنثى وجب أن يكون كل إناثها حراماً. وإن كان حرم الله تعالى شأنه ما اشتملت عليه أرحام الإناث وجب تحريم الأولاد كلها لأن الأرحام تشتمل على الذكور والإناث. وتعقبه بأنه بعيد جداً لأن لقائل أن يقول: هب أن هذه الأجناس الأربعة محصورة في الذكور والإناث إلا أنه لا يجب أن تكون علة تحريم ما حكموا بتحريمه محصورة في الذكورة والأنوثة بل علة تحريمها كونها بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو غير ذلك من الاعتبارات كما إذا قلنا: إنه تعالى حرم ذبح بعض الحيوانات لأجل الأكل فإذا قيل: إن ذلك الحيوان إن كان قد حرم لكونه ذكراً وجب أن يحرم كل حيوان ذكر، وإن كان قد حرم لكونه أنثى وجب أن يحرم كل حيوان أنثى.

السابقالتالي
2 3