الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

{ وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } شروع في تفصيل حال الأنعام وإبطال ما تقوَّلوا على الله تعالى في شأنها بالتحريم والتحليل، وهو عطف علىجَنَّـٰتٍ } [الأنعام: 141] والجهة الجامعة إباحة الانتفاع بهما. والجار والمجرور متعلق بأنشأ. والحمولة ما يحمل عليه لا واحد له كالركوبة. والمراد به ما يحمل الأثقال من الأنعام وبالفرش ما يفرش للذبح أو ما يفرش المنسوج من صوفه وشعره ووبره، وإلى الأول ذهب أبو مسلم وروي عن الربيع بن أنس. وإلى الثاني ذهب الجبائي، وقيل: الحمولة الكبار الصالحة للحمل والفرش الصغار الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها، وروي ذلك عن ابن مسعود لكنه رضي الله تعالى عنه خص ذلك بكبار الإبل وصغارها وهو إحدى روايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفي رواية أخرى الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه والفرش الغنم.

{ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } أي كلوا بعض ما رزقكم الله تعالى وهو الحلال فمن تبعيضية. والرزق شامل للحلال والحرام، والمعتزلة خصوه بالحلال كما تقدم أوائل الكتاب وادعوا أن هذه الآية أحد أدلتهم على ذلك وركبوا شكلاً منطقياً أجزاؤه سهلة الحصول تقديره الحرام ليس بمأكول شرعاً وهو ظاهر والرزق ما يؤكل شرعاً لقوله تعالى:كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } [الأنعام: 142] فالحرام ليس برزق. وأنت تعلم أن هذا إنما يفيد لو صدق كل رزق مأكول شرعاً، والآية لا تدل عليه، أما إذا كانت تبعيضية فظاهر، وأما إن كانت ابتدائية فلأنه ليس فيها ما يدل على تناول الجميع، وقيل: معنى الآية استحلوا الأكل مما أعطاكم الله تعالى.

{ وَلاَ تَتَّبِعُواْ } في أمر التحليل والتحريم بتقليد أسلافكم المجازفين في ذلك من تلقاء أنفسهم المفترين على الله سبحانه: { خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي طرقه فإن ذلك منهم بإغوائه واستتباعه إياهم { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي ظاهر العداوة فقد أخرج آدم عليه السلام من الجنة وقال:لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء: 62] أعاذنا الله تعالى والمسلمين من شره إنه الرحمن الرحيم.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } في عين الجمع المطلق قائلاً { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } أي القوى النفسانية: { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مّنَ ٱلإنْسِ } أي من الحواس والأعضاء الظاهرة أو من الصور الإنسانية بأن جعلتموهم أتباعكم بإغوائكم إياهم وتزيين اللذائذ الجسمانية لهم { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } وانتفع كل منا في صورة الجمعية الإنسانية بالآخر { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا } بالموت أو المعاد على أقبح الهيآت وأسوأ الأحوال { قَالَ ٱلنَّارُ } أي نار الحرمان ووجدان الآلام { مَثْوَاكُمْ خَـٰلِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ } ولا يشاء إلا ما يعلم ولا يعلم سبحانه الشيء إلا على ما هو عليه في نفسه

السابقالتالي
2