الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَ جَنَّـٰتُ مَّعْرُوشَـٰتٍ } تمهيد لما سيأتي من تفصيل أحوال الأنعام. وقال الإمام: «إنه عود إلى ما هو المقصود الأصلي وهو إقامة الدلائل على تقرير التوحيد» أي وهو الذي خلق وأظهر تلك الجنات من غير شركة لأحد في ذلك بوجه من الوجوه، والمعروشات من الكرم ما يحمل على العريش وهو عيدان تصنع كهيئة السقف ويوضع الكرم عليها { وَغَيْرَ مَعْرُوشَـٰتٍ } وهي الملقيات على وجه الأرض من الكرم أيضاً، وهذا قول من قال: إن المعروشات وغيرها كلاهما للكرم، وعن أبـي مسلم أن المعروش ما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه فيمسكه من الكرم وما يجري مجراه، وغير المعروش هو القائم من الشجر المستغني باستوائه وقوة ساقه عن التعريش، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المعروش ما يحصل في البساتين والعمرانات مما يغرسه الناس وغير المعروش ما نبت في البراري والجبال، وقيل: المعروش العنب الذي يجعل له عريش وغير المعروش كل ما نبت منبسطاً على وجه الأرض مثل القرع والبطيخ، وقال عصام الدين: ولا يبعد أن يراد بالمعروش المعروش بالطبع كالأشجار التي ترتفع وبغير المعروش ما ينبسط على وجه الأرض كالكرم، ويكون قوله سبحانه: { وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ } تخصيصاً بعد التعميم وهو عطف على { جَنَّـٰتٍ } أي أنشأهما { مُخْتَلِفًا } في الهيئة والكيفية { أُكُلُهُ } أي ثمره الذي يؤكل منه.

وقرأ ابن كثير ونافع { أكله } بسكون الكاف وهو لغة فيه على ما يشير إليه كلام الراغب، والضمير إما أن يرجع إلى أحد المتعاطفين على التعيين ويعلم حكم الآخر بالمقايسة إليه أو إلى كل واحد على البدل أو إلى الجميع والضمير بمعنى اسم الإشارة، وعن أبـي حيان «أن الضمير لا يجوز إفراده مع العطف بالواو... فالظاهر عوده على أقرب مذكور وهو { ٱلزَّرْعَ } ويكون قد حذف حال النخل لدلالة هذه الحال عليها، والتقدير / والنخل مختلفاً أكله والزرع مختلفاً أكله»، وجوز وجهاً آخر وهو أن في الكلام مضافاً مقدراً والضمير راجع إليه أي ثمر جنات، والحال المشار إليها على كل حال مقدرة إذ لا اختلاف وقت الإنشاء. وزعم أبو البقاء أنها كذلك إن لم يقدر مضاف أي ثمر النخل وحب الزرع وحال مقارنة إن قدر. { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ } أي أنشأهما { مُتَشَـٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } أي يتشابه بعض أفرادهما في اللون أو الطعم أو الهيئة ولا يتشابه في بعضها، وأخرج ابن المنذر. وأبو الشيخ عن ابن جريج أنه قال: متشابهاً في المنظر وغير متشابه في المطعم، والنصب على الحالية.

{ كُلُواْ } أمر إباحة كما نص عليه غير واحد { مِن ثَمَرِهِ } الكلام في مرجع الضمير على طرز ما تقدم آنفاً { إِذَا أَثْمَرَ } وإن لم ينضج وينيع بعد ففائدة التقييد إباحة الأكل قبل الإدراك، وقيل: فائدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حق الله تعالى وهو اختيار الجبائي وغيره.

السابقالتالي
2