الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } نصب على الظرفية والعامل فيه مقدر أي أذكر أو نقول أو كان ما لا يذكر لفظاعته، وجوز أن يكون مفعولاً به لمقدر أيضاً أي أذكر ذلك اليوم، والضمير المنصوب لمن يحشر من الثقلين، وقيل: للكفار. وقرأ حفص عن عاصم وروح عن يعقوب { يُحْشَرُ } بالياء والباقون بنون العظمة على الإلتفات لتهويل الأمر.

وقوله سبحانه: { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } على إضمار القول، والمعشر الجماعة أمرهم واحد، وقال الطبرسي: «الجماعة التامة من القوم التي تشتمل على أصناف الطوائف ومنه العشرة لأنها تمام العقد»، والمراد بالجن أو بمعشرهم على ما قيل الشياطين، وذكر بعض الفضلاء أن الجن يقال على وجهين، أحدهما: للروحانيين المستترين عن الحواس كلها فيدخل فيهم الملائكة والشياطين، وثانيهما: للروحانيين مما عدا الملائكة، وقال آخرون: إن الروحانيين ثلاثة أخيار وهم الملائكة وأشرار وهم الشياطين وأوساط فيهم أخيار وأشرار، وأياً ما كان فالمقصود بالنداء الأشرار الذين يغوون الناس فإنهم أهل للخطاب بقوله سبحانه: { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مّنَ ٱلإنْسِ } أي أكثرتم من إغوائهم وإضلالهم كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد والزجاج، فالكلام على حذف مضاف أو منهم بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم كما يقال: استكثر الأمير من الجنود وهذا بطريق التوبيخ والتقريع. قيل: وإنما ذكر المعشر في جانب الجن دون جانب الإنس لما أن الإغواء كثيراً ما يقتضي التظاهر والتعاون، وفي المعشر نوع إيماء إليه ولا كذلك الغوى.

{ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم } أي الذين أطاعوهم واتبعوهم { مّنَ ٱلإنْسِ } أي الذين هم من الإنس أو كائنين منهم، فمن إما لبيان الجنس أو متعلقة بمحذوف وقع حالاً من أولياء { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أي انتفع الإنس بالجن حيث دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها / والجن بالإنس حيث اتخذوهم قادة ورؤساء واتبعوا أمرهم فأدخلوا عليهم السرور بذلك. وعن الحسن وابن جريج والزجاج وغيرهم أن استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا إذا سافر أحدهم وخاف الجن قال: أعوذ بسيد هذا الوادي. واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم قادرون على إعاذتهم وإجارتهم. وعن محمد بن كعب أن المراد باستمتاع بعضهم ببعض طاعة بعضهم بعضاً وموافقته له، وقال البلخي: يحتمل أن يكون الاستمتاع مقصوراً على الإنس فيكون الإنس قد استمتع بعضهم ببعض الجن دون الجن.

{ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا } وهو يوم القيامة على ما قاله غير واحد، وعن الحسن والسدي وابن جريج أنه الموت والأول أولى، وإنما قال الأولياء ما قالوا اعترافاً بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتكذيب البعث وإظهاراً للندامة عليها وتحسراً على حالهم واستسلاماً لربهم وإلا ففائدة الخبر ولازمها مما لا تحقق له. قيل: ولعل الاقتصار على حكاية كلام الضالين للإيذان بأن المضلين قد أفحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم أصلاً.

السابقالتالي
2 3