الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ لَهُمْ } أي لهؤلاء القوم { دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ } أي الجنة كما قال قتادة، والسلام هو الله تعالى كما قال الحسن. وابن زيد والسدي. وإضافة الدار إليه سبحانه للتشريف. وقال الزجاج والجبائي: { ٱلسَّلَـٰم } بمعنى السلامة أي دار السلامة من الآفات والبلايا وسائر المكاره التي يلقاها أهل النار. وقيل: هو بمعنى التسليم أي دار تحيتهم فيها سلام { عِندَ رَبّهِمْ } أي في ضمانه وتكفله التفضلي أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنه ذلك غيره. والجملة مستأنفة، وقيل: صفة لقوم { وَهُوَ وَلِيُّهُم } أي محبهم أو ناصرهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي بسبب أعمالهم الصالحة أو متوليهم متلبساً بجزائها بأن يتولى إيصال الثواب إليهم.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً } [الأنعام: 112] لتفاوت مراتب أرواحهم في الصفاء والكدورة والنور والظلمة والقرب والبعد. ومن هنا قيل: والجاهلون لأهل العلم أعداء. وكلما اشتد التفاوت اشتدت العداوة وزاد الإيذاء الناشىء منها. ولهذا ورد في بعض الآثار " ما أوذي نبـي مثل ما أوذيت " وتسبب هذه العداوة مزيد التوجه إلى الحق جل شأنه والإعراض عن الملاذ والحرص على الفضيلة التي يقهر بها العدو والاحتراز عما يوشك أن يكون سبباً للطعن إلى غير ذلك { وَلِتَصْغَى } أي تميل { إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱللَّذَيْن لاَ يُؤْمِنُونَ } وهم المحجوبون لوجود المناسبة { وَلِيَرْضَوْهُ } بمحبتهم إياهوَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } [الأنعام: 113] من اسم التعاضد والتظاهر { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً } بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } المعجز الجامعمُفَصَّلاً } [الأنعام: 114] فيه الحق والباطل بحث لا يبقى معه مقال لقائل فطلب ما سواه مما لا يليق بعاقل ولا يميل إليه إلا جاهل { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } أي تم قضاؤه في الأزل بما قضى وقدر { صِدْقاً } مطابقاً لما يقع { وَعَدْلاً } مناسباً للاستعداد، وقيل: صدقاً فيما وعد وعدلاً فيما أوعدلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ } [الأنعام: 115] لأنها على طرز ما ثبت في علمه والانقلاب محال { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأَرْضِ } أي من الجهة السفلية بالركون إلى الدنيا وعالم النفس والطبيعة { يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } لأنهم لا يدعون إلا للشهوات المبعدة عن الله تعالى { إِن يَتَّبِعُونَ } أي ما يتبعون لكونهم محجوبين في مقام النفس بالأوهام والخيالاتإِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [الأنعام: 116] بقياس الغائب على الشاهد { وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلإِثْمِ } من الأقوال والأفعال الظاهرة على الجوارحوَبَاطِنَهُ } [الأنعام: 120] من العقائد الفاسدة والعزائم الباطلة. وقال سهل: ظاهر الإثم المعاصي كيف كانت وباطنه حبها، وقال الشبلي: ظاهر الإثم الغفلة وباطنه نسيان مطالعة السوابق، وقال بعضهم: ظاهر الإثم طلب الدنيا وباطنه طلب الجنة لأن الأمرين يشغلان عن الحق وكل ما يشغل عنه سبحانه فهو إثم، وقيل: ظاهر الإثم حظوظ النفس وباطنه حظوظ القلب، وقيل: ظاهر الإثم حب الدنيا وباطنه حب الجاه، وقيل: ظاهر الإثم رؤية الأعمال وباطنه سكون القلب إلى الأحوال.

السابقالتالي
2 3