الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً } كلام مستأنف [وارد] على إرادة القول. والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي قل لهم يا محمد: أأميل إلى زخارف الشياطين أو أعدل عن الطريق المستقيم فأطلب حكماً غير الله تعالى يحكم بيني وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل. وقيل: إن مشركي قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: / اجعل بيننا وبينك حكماً من أحبار اليهود أو من أساقفة النصارى ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك فنزلت. وإسناد الابتغاء المنكر لنفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم لا إلى المشركين كما في قوله سبحانه:أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } [آل عمران: 83] مع أنهم الباغون لإظهار كمال النصفة أو لمراعاة قولهم: اجعل بيننا وبينك حكماً، و (غير) مفعول { أَبْتَغِى } و { حُكْمًا } حال منه، وقيل: تمييز لما في (غير) من الإبهام كقولهم: إن لنا إبلاً غيرها، وقيل: مفعول له؛ وأولى المفعول همزة الاستفهام دون الفعل لأن الإنكار إنما هو في ابتغاء غير الله تعالى حكماً لا في مطلق الابتغاء فكان أولى بالتقديم وأهم، وقيل: تقديمه للتخصيص. وحمل على أن المراد تخصيص الإنكار لا إنكار التخصيص، وقيل: في تقديمه إيماء إلى وجوب تخصيصه تعالى بالابتغاء والرضى بكونه حكماً. وجوز أن يكون { غَيْرِ } حالاً من { حكمًا } وحكماً مفعول { أَبْتَغِى } والتقديم لكونه مصب الإنكار، والحَكَم يقال للواحد والجمع كما قال الراغب، وصرح هو وغيره بأنه أبلغ من الحاكم لا مساو له كما نقل الواحدي عن أهل اللغة، وعلل بأنه صفة مشبهة تفيد ثبوت معناها ولذا لا يوصف به إلا العادل أو من تكرر منه الحكم.

{ وَهُوَ ٱلَّذِى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } جملة حالية مؤكدة للإنكار، ونسبة الإنزال إليهم خاصة مع أن مقتضى المقام إظهار تساوي نسبته إلى المتحاكمين لاستمالتهم نحو المنزل واستنزالهم إلى قبول حكمه بإيهام قوة نسبته إليهم وقيل: لأن ذلك أوفق بصدر الآية بناء على أن المراد بها الإنكار عليهم وإن عبر بما عبر إظهاراً للنصفة، ونظير ذلك قوله تعالى:وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [يس: 22]. ومعنى الآية عند بعض المحققين أغيره تعالى أبتغي حكماً والحال أنه هو الذي أنزل إليكم الكتاب ـ وأنتم أمة أمية لا تدرون ما تأتون وما تذرون ـ القرآن الناطق بالحق والصواب الحقيق بأن يخص به اسم الكتاب.

{ مُفَصَّلاً } أي مبيناً فيه الحق والباطل والحلال والحرام وغير ذلك من الأحكام بحيث لم يبق في أمر الدين شيء من التخليط والإبهام فأي حاجة بعد ذلك إلى الحكم، ثم قال: وهذا كما ترى صريح في أن القرآن الكريم كاف في أمر الدين مغن عن غيره ببيانه وتفصيله؛ وأما أن يكون لإعجازه دخل في ذلك كما قيل فلا انتهى.

السابقالتالي
2 3 4