الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

{ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ } أي إلى زخرف القول، وقيل: الضمير للوحي أو للغرور أو للعداوة لأنها بمعنى التعادي، والواو للعطف وما بعدها عطف علىغُرُوراً } [الأنعام: 112] بناء على أنه مفعول له فيكون علة أخرى للإيحاء وما في البين اعتراض، وإنما لم ينصب لفقد شرط النصب إذ الغرور فعل الموحي وصغو الأفئدة فعل الموحى إليه. وهو على الوجهين الأخيرين علة لفعل محذوف يدور عليه المقام أي وليكون ذلك جعلنا ما جعلنا. «وأصل الصغو ـ كما قال الراغب ـ الميل يقال: صغت الشمس والنجوم صغوا مالت للغروب وصغيتُ الإناء وأصغيته وأصغيت إلى فلان ملت بسمعي نحوه، وحُكِي صغوت إليه أصغو وأصغى صغواً وصُغِيَّاً؛ وقيل: صغيت أصغى وأصغيت أُصغي». وفي «القاموس» «صغا يصغو ويصغي صغواً وصَغِىَ يصغي صغاً وصُغِياً مال». وذكر بعض الفضلاء أن هذا الفعل مما جاء واوياً ويائياً فقيل: يصغو ويصغى؛ ويقال: في مصدره صغيا بالفتح والكسر. وزاد الفراء صغياً وصغوا بالياء والواو مشددتين، ويقال: إن أصغى مثله. والمراد هنا ولتميل إليه.

{ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } أي على الوجه الواجب. وخص عدم إيمانهم بها دون ما عداها من الأمور التي يجب الإيمان بها وهم بها كافرون ـ قال مولانا شيخ الإسلام ـ «إشعاراً / بما هو المدار في صغو أفئدتهم إلى ما يلقى إليهم فإن لذات الآخرة محفوفة في هذه النشأة بالمكاره وآلامها مزينة بالشهوات فالذين لا يؤمنون بها وبأحوال ما فيها لا يدرون أن وراء تلك المكاره لذات ودون هذه الشهوات آلاما وإنما ينظرون ما بدا لهم في الدنيا بادي الرأي فهم مضطرون إلى حب الشهوات التي من جملتها مزخرفات الأقاويل ومموهات الأباطيل، وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين على حقيقة الحال ناظرين إلى عواقب الأمور لم يتصور منهم الميل إلى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها» اهـ.

والآية حجة على المعتزلة في وجه. وأجاب الكعبـي بأن اللام للعاقبة وليست للتعليل بوجه وهو خلاف الظاهر. وقال غيره: إنها لام القسم كسرت لما لم يؤكد الفعل بالنون. واعترض بأن النون حذفت ولام القسم باقية على فتحها كقوله:
لئن تك قد ضاقت على بيوتكم   ليعلم ربـي أن بيتي واسع
بفتح لام ليعلم، نعم حُكِي عن بعض العرب كسر لام جواب القسم الداخلة على المضارع كقوله:
لتغني عن ذا إنائك أجمعا   
وهو غير مجمع عليه أيضاً فإن أناساً أنكروا ورود ذلك، وجعلوا اللام في البيت للتعليل والجواب محذوف أي لتشربن لتغني عني. واستشهد الأخفش بالبيت على إجابة القسم بلام كي. وقال الرضي: لا يجوز عند البصريين في جواب القسم الاكتفاء بلام الجواب عن نون التوكيد إلا في الضرورة.

السابقالتالي
2