الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِيٍّ عَدُوّاً } كلام مبتدأ مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما [كان] يشاهده من عداوة قريش وما بنوا عليها من الأقاويل والأفاعيل، وذلك إشارة إلى ما يفهم مما تقدم، والكاف في موضع نصب على أنه نعت لمصدر مؤكد لما بعده، والتقديم للقصر المفيد للمبالغة، و { عَدُوّاً } بمعنى أعداء كما في قوله:
إذا أنا لم أنفع صديقي بوده   فإن عدوي لم يضرهم بغضي
أي مثل ذلك الجعل في حقك حيث جعلنا لك أعداء يضادونك [ويضارونك] ولا يؤمنون ويبغونك الغوائل ويَجْهدون في إبطال أمرك جعلنا لكل نبـي تقدمك فعلوا معهم نحو ما فعل معك أعداؤك لا جعلاً أنقص منه. وجعله الإمام على هذا الوجه عطفاً على معنى ما تقدم من الكلام، ولعله ليس المراد منه العطف الاصطلاحي، وجوز أن يكون مرتبطاً بقوله سبحانه: وكَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } [الأنعام: 108] أي كما فعلنا ذلك جعلنا لكل نبـي عدواً وفيه بعد.

وأياً ما كان فالآية ظاهرة فيما ذهب إليه أهل السنة من أنه تعالى خالق الشر كما أنه خالق الخير، وحملها على أن المراد بها وكما خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأعدائهم / لم نمنعهم من العداوة لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات والصبر وكثرة الثواب والأجر خلاف الظاهر. ومثله قول أبـي بكر الأصم إن هذا الجعل بطريق التسبب حيث أرسل سبحانه الأنبياء عليهم السلام وخصهم بالمعجزات فحسدهم من حسدهم وصار ذلك سبباً للعداوة القوية، ونظير ذلك قول المتنبـي:
فأنت الذي صيرتهم حسداً   
وقيل: المراد كما أمرناك بعداوة قومك من المشركين كذلك أمرنا من قبلك من الأنبياء بمعاداة نحو أولئك أو كما أخبرناك بعداوة المشركين وحكمنا بذلك أخبرنا الأنبياء بعداوة أعدائهم وحكمنا بذلك والكل ليس بشيء، وهكذا غالب تأويلات المعتزلة.

{ شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } أي مردة النوعين كما روي عن الحسن وقتادة ومجاهد على أن الإضافة بمعنى من البيانية؛ وقيل: هي إضافة الصفة للموصوف والأصل الإنس والجن الشياطين، وقيل: هي بمعنى اللام أي الشياطين [التي] للإنس والجن. وفي «تفسير الكلبـي» عن ابن عباس ما يؤيده فإنه روى عنه أنه قال: إن إبليس عليه اللعنة جعل جنده فريقين فبعث فريقاً منهم إلى الإنس وفريقاً آخر إلى الجن. وفي رواية أخرى عنه أن الجن هم الجان وليسوا بشياطين والشياطين ولد إبليس وهم لا يموتون إلا معه والجن يموتون ومنهم المؤمن والكافر، وهو نصب على البدلية من { عَدُوّاً } والجعل متعد إلى واحد أو إلى إثنين وهو أول مفعوليه قدم عليه الثاني مسارعة إلى بيان العداوة، واللام على التقديرين متعلقة بالجعل أو بمحذوف وقع حالاً من { عَدُوّا } قدم عليه لنكارته، وجوز أن يكون متعلقاً به وقدم عليه للاهتمام، وأن يكون نصب { شَيَـٰطِينَ } بفعل مقدر.

السابقالتالي
2 3