الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } تصريح بما أشعر به قوله عز وجل:وَمَا يُشْعِرُكُمْ } [الأنعام: 109] الخ من الحكمة الداعية إلى ترك الإجابة إلى ما اقترحوا وبيان لكذبهم في أيمانهم على أبلغ وجه وآكده أي ولو أنا لم نقتصر على ما اقترحوه هٰهنا بل نزلنا إليهم الملائكة كما سألوه بقولهم:لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاۤئِكَةَ } [الفرقان: 21] وقولهم:لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلاۤئِكَةَ } [الحجر: 7].

{ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } بأن أحييناهم وشهدوا بحقية الإيمان حسبما اقترحوه بقولهم:فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا } [الدخان: 36] { وَحَشَرْنَا } أي جمعنا وسوقنا { عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلاً } أي مقابلة ومعاينة حتى يواجهوهم كما روي عن ابن عباس وقتادة، وهو على هذا مصدر كما قاله غير واحد وإلى ذلك ذهب ابن زيد، وعنه: يقال لقيت فلاناً قبلاً ومقابلة وقبلاً وقبلاً وقبيلاً كله بمعنى واحد وهو المواجهة. ونقل الراغب أنه «جمع قابل بمعنى مقابل لحواسهم»، وقيل: هو جمع قبيل بمعنى كفيل كرغيف ورغف وقضيب وقضب فهو من قولك: قبلت الرجل وتقبلت به إذا تكفلت به، ومنه القبالة لكتاب العهد والصك وروي ذلك عن الفراء. وعن مجاهد تفسيره بالجماعة على أنه جمع قبيلة كما قال الراغب. ونقل تفسيره بالكفيل وبالجماعة وكذا بالمعاينة والمقابلة في قوله تعالى:أَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةَ قَبِيلاً } [الإسراء: 92] أي لو أحضرنا لديهم كل شيء تتأتى منه الكفالة والشهادة بحقية الايمان لا فرادى بل بطريق المعية أو لو حشرنا عليهم كل شيء جماعات في موقف واحد.

{ مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } أي ما صح ولا استقام لهم الإيمان، وانتصاب { قُبُلاً } على هذه الأقوال على أنه حال من { كُلَّ } وساغ ذلك على القول بجمعيته لأن كلاً يجوز مراعاة معناه ومراعاة لفظه كما نص عليه النحاة واستشهدوا له بقول عنترة:
جادت عليه كل عين ثرة   فتركن كل حديقة كالدرهم
إذ قال تركن دون تركت فلا حاجة إلى ما قيل: إن ذلك باعتبار لازمه وهو الكل المجموعي وقرأ نافع وابن عامر { قبلا } بكسر القاف وفتح الباء وهو مصدر بمعنى مقابلة ومشاهدة، ونصبه على الحال كما قال الفراء والزجاج وكثير وعن المبرد أنه بمعنى جهة وناحية فانتصابه على الظرفية كقولهم: لي قبل فلان كذا. وقرىء { قُبْلاً } بضم فسكون. و { مَا كَانُواْ } الخ جواب لو وهو إذا كان منفياً لا تدخله اللام خلافاً لمن وهم فقدرها.

وعلل هذا الحكم بسوء استعدادهم الثابت أزلاً في علم الله تعالى المتعلق بالأشياء حسبما هي عليه في نفس الأمر وعلله البعض بسبق القضاء عليهم بالكفر. واعترض عليه بعض الأفاضل بأن فيه تعليل الحوادث بالتقدير الأزلي ولايخفى فساده، وعلله ببطلان استعدادهم وتبدل فطرتهم القابلة بسوء اختيارهم، وتبعه في ذلك شيخ الإسلام وعلله بتماديهم في العصيان وغلوهم وتمردهم في الطغيان معترضاً على ما ذكر بأنه من الأحكام المترتبة على التمادي المذكور حسبما ينبىء عنه قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4