الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ وَكَذٰلِكَ } أي مثل ذلك التصريف البديع { نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ } الدالة على المعاني الرائقة الكاشفة عن الحقائق الفائقة لا تصريفاً أدنى منه. وقيل: المراد كما صرفنا الآيات قبل نصرف هذه الآيات، وقد تقدم لك ما هو الحري بالقبول. وأصل التصريف ـ كما قال علي بن عيسى ـ إجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة من الصرف وهو نقل الشيء من حال إلى حال. وقال الراغب: «التصريف كالصرف إلا في التكثير وأكثر ما يقال في صرف الشيء من حال إلى حال وأمر إلى أمر».

{ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } علة لفعل قد حذف تعويلاً على دلالة السباق عليه أي وليقولوا درست نفعل ما نفعل من التصريف المذكور. وبعضهم قدر الفعل ماضياً والأمر في ذلك سهل، واللام لام العاقبة. وجوز أن تكون للتعليل على الحقيقة لأن نزول الآيات لإضلال الأشقاء وهداية السعداء قال تعالى:يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } [البقرة: 26]. والواو اعتراضية، وقيل: هي عاطفة على علة محذوفة. واللام متعلقة بنصرف أي مثل ذلك التصريف نصرف الآيات لنلزمهم الحجة وليقولوا الخ. وهو أولى من تقدير لينكروا وليقولوا الخ. وقيل: اللام لام الأمر، وينصره القراءة بسكون اللام كأنه قيل: وكذلك نصرف الآيات وليقولوا هم ما يقولون فإنهم لا احتفال بهم ولا اعتداد بقولهم، وهو أمر معناه الوعيد والتهديد وعدم الاكتراث. ورده في «الدر المصون» بأن ما بعده يأباه فإن اللام فيه نص في أنها لام كي، وتسكين اللام في القراءة الشاذة لا دليل فيه لاحتمال أن يكون للتخفيف.

ومعنى { دَرَسْتَ } قرأت وتعلمت، وأصله ـ على ما قال الأصمعي ـ من قولهم: درس الطعام يدرسه دراساً إذا داسه كأن التالي يدوس الكلام فيخف على لسانه. وقال أبو الهيثم: يقال درست الكتاب أي ذللته بكثرة القراءة حتى خف حفظه من قولهم: درست الثوب أدرسه درساً فهو مدروس ودريس أي أخلقته، ومنه قيل للثوب الخلق: دريس لأنه قد لان، والدرسة الرياضة ومنه درست السورة حتى حفظتها. وهذا كما قال الواحدي قريب مما قاله الأصمعي أو هو نفسه لأن المعنى يعود فيه إلى التذليل والتليين. وقال الراغب: «يقال دَرَسَ الدارُ أي بقي (أثره) وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه فلذلك فسر الدروس بالانمحاء، وكذا درس الكتاب ودرست العلم تناولت أثره بالحفظ، ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس» وهو بعيد عما تقدم كما لا يخفى.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { دارست } بالألف وفتح التاء وهي قراءة ابن عباس ومجاهد أي دارست يا محمد غيرك ممن يعلم الأخبار الماضية وذكرته، وأرادوا بذلك نحو ما أرادوه بقولهم:إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ } [النحل: 103]. قال الإمام: «ويقوي هذه القراءة قوله تعالى حكاية عنهم:

السابقالتالي
2