الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ }

{ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } جمع بصر يطلق كما قال الراغب «على الجارحة الناظرة وعلى القوة التي فيها / وعلى البصيرة وهي قوة القلب المدركة» وإدراك الشيء عبارة عن الوصول إلى غايته والإحاطة به، وأكثر المتكلمين على حمل البصر هنا على الجارحة من حيث إنها محل القوة. وقيل: هو إشارة إلى ذلك وإلى الأوهام والأفهام كما قال أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه: التوحيد أن لا تتوهمه وقال أيضاً كل ما أدركته فهو غيره. ونقل الراغب عن بعضهم أنه حمل ذلك على البصيرة، وذكر أنه قد نبه به على ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قوله: يا من غاية معرفته القصور عن معرفته إذا كان معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بمثل لشيء منها بل هو موجد كل ما أدركته.

واستدل المعتزلة بهذه الآية على أنه تعالى لا يرى. وتقرير ذلك على ما في «المواقف وشرحها» أن الإدراك المضاف إلى الأبصار إنما هو الرؤية ولا فرق بين أدركته ببصري ورأيته إلا في اللفظ أو هما متلازمان لا يصح نفي أحدهما مع إثبات الآخر فلا يجوز رأيته وما أدركته ببصري ولا عكسه، فالآية نفت أن تراه الأبصار وذلك يتناول جميع الأبصار بواسطة اللام الجنسية في مقام المبالغة في جميع الأوقات، لأن قولك: فلان تدركه الأبصار لا يفيد عموم الأوقات فلا بد أن يفيده ما يقابله فلا يراه شيء من الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة لما ذكر ولأنه تعالى تمدح بكونه لا يرى حيث ذكره في أثناء المدائح وما كان من الصفات عدمه مدحاً كان وجوده نقصاً يجب تنزيه الله تعالى عنه فظهر أنه يمتنع رؤيته سبحانه، وإنما قيل: من الصفات احترازاً عن الأفعال كالعفو والانتقام فإن الأول تفضل والثاني عدل وكلاهما كمال انتهى. وحاصله أن المراد بالإدراك الرؤية المطلقة لا الرؤية على وجه الإحاطة، وأن { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } سالبة كلية دائمة وهذا أقوى أدلتهم النقلية في هذا المطلب كما ذكره شيخ مشايخنا الكوراني قدس سره والجواب عنه من وجوه.

الأول أن الإدراك ليس هو الرؤية المطلقة وإن اختاره ـ على ما نقله الآمدي ـ أبو الحسن الأشعري وإنما هو الرؤية على نعت الإحاطة بجوانب المرئي كما فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بها في أحد تفسيريه، ففي «الدر المنثور» «وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } لا يحيط بصر أحد بالله» تعالى انتهى. وإليه ذكب الكثير من أئمة اللغة وغيرهم. والرؤية المكيفة بكيفية الإحاطة أخص مطلقاً من الرؤية المطلقة ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، فظهر صحة أن يقال: رأيته وما أدركه بصري أي ما أحاط به من جوانبه وإن لم يصح عكسه.

السابقالتالي
2 3 4 5