الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }

{ ذٰلِكُمْ } إشارة إلى المنعوت بما ذكر من جلائل النعوت، وما فيه من معنى البعد لما مر مراراً. والخطاب للمشركين المعهودين بطريق الالتفات. وذهب الطبرسي أنه لجميع الناس. وهو مبتدأ وقوله سبحانه: { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَـٰلِقُ كُلّ شَيْءٍ } أخبار أربعة مترادفة أي ذلك الموصوف بتلك الصفات العظيمة الشأن هو الله المستحق للعبادة خاصة مالك / أمركم لا شريك له أصلاً خالق كل شيء مما كان وسيكون، والمعتبر في عنوان الموضوع حسبما اقتضته الإشارة إنما هو خالقيته سبحانه لما كان فقط كما ينبىء عنه صيغة الماضي، وجوز أن يكون الاسم الجليل بدلاً من اسم الإشارة و { رَبُّكُـمْ } صفته وما بعده خبر، وأن يكون الاسم الجليل هو الخبر وما بعده إبدال منه، وأن يكون بدلاً والبواقي أخبار، وأن يقدر لكل خبر من الأخبار الثلاثة مبتدأ، وأن يجعل الكل بمنزلة اسم واحد، وأن يكون { خَـٰلِقُ كُلّ شَيْءٍ } بدلاً من الضمير، وجوز غير ذلك.

وقوله تعالى: { فَٱعْبُدُوهُ } مسبب عن مضمون الجملة فإن من جمع هذه الصفات كان هو المستحق للعبادة خاصة، وادعى بعضهم أن العبادة المأمور بها هي نهاية الخضوع وهي لا تتأتى مع التشريك فلذا استغنى عن أن يقال: فلا تعبدوا إلا إياه، ويفهم منه أن مجرد مفهوم العبادة يفيد الاختصاص، ولا يأباه دعوى إفادة تقديم المفعول فيإِيَّاكَ نَعْبُدُ } [الفاتحة: 5] إياه لأن إفادة الحصر بوجهين لا مانع منها كما فيفَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ } [الجاثية: 36] ونحوه، وإنما قال سبحانه هنا: { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَـٰلِقُ كُلّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ } وفي سورة المؤمن [26]ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَـٰلِقُ كُـلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فقدم سبحانه هنا { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } على { خَـٰلِقُ كُلّ شَىْءٍ } وعكس هناك، قال بعض المحققين: لأن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى:جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ } [الأنعام: 100] الخ فلما قال جل شأنه: { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ } أتى بعده بما يدفع الشركة فقال: عز قائلاً { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ثُمَّ { خَـٰلِقُ كُلّ شَىْءٍ } وتلك جاءت بعد قوله سبحانهلَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [غافر: 57] فكان الكلام على تثبيت خلق الناس وتقريره لا على نفي الشريك عنه جل شأنه كما كان في الآية الأولى فكان تقديم { خَـٰلِقُ كُلّ شَيْءٍ } هناك أولى والله تعالى أعلم بأسرار كلامه.

{ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } عطف على الجملة السابقة أي وهو مع تلك الصفات الجليلة الشأن متولي جميع الأمور الدنيوية والأخروية، ويلزم من ذلك أن لا يوكل أمر إلى غيره ممن لا يتولى. وجوز أن تكون هذه الجملة في موضع الحال وقيدا للعبادة ويؤول المعنى إلى أنه سبحانه مع ما تقدم متولي أموركم فكلوها إليه وتوسلوا بعبادته إلى إنجاح مأربكم، وفسر بعضهم الوكيل بالرقيب أي أنه تعالى رقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها.

السابقالتالي
2