الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

بسم الله الرحمن الرحيم { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } جملة خبرية أو إنشائية. وعين بعضهم الأول لما في حملها على الإنشاء من إخراج الكلام عن معناه الوضعي من غير ضرورة بل لما يلزم على كونها إنشائية من انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود. وآخرون الثاني لأنه لو كانت جملة الحمد إخباراً يلزم أن لا يقال لقائل الحمد لله حامد إذ لا يصاغ للمخبر عن غيره لغة من متعلق إخباره اسم قطعاً فلا يقال لقائل زيد له القيام قائم واللازم باطل فيبطل الملزوم. ولا يلزم هذا على تقدير كونها إنشائية فإن الإنشاء يشتق منه اسم فاعل صفة للمتكلم به فيقال لمن قال: بعت بائع.

واعترض بأنه لا يلزم من كل إنشاء في ذلك وإلا لقيل لقائل: ضرب ضارب والله تعالى شأنه القائلوَٱلْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ } [البقرة: 233] مرضع بل إنما يكون ذلك إذا كان إنشاء لحال من أحوال المتكلم كما في صيغ العقود ولا فرق حينئذ بينه وبين الخبر فيما ذكر، والذي عليه المحققون جواز الاعتبارين في هذه الجملة. وأجابوا عما يلزم كلاً من المحذور. نعم رجح هنا اعتبار الخبرية لما أن السورة نزلت لبيان التوحيد وردع الكفرة والإعلام بمضمونها على وجه الخبرية يناسب المقام وجعلها لإنشاء الثناء لا يناسبه، وقيل: إن اعتبار خبريتها هنا / ليصح عطف ما بعد (ثم) الآتي عليها. ومن اعتبر الإنشائية ولم يجوز عطف الإنشاء على الإخبار جعل العطف على صلة الموصول أو على الجملة الإنشائية بجعل المعطوف لإنشاء الاستبعاد والتعجب. ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والخروج عن الظاهر وفي تعليق الحمد أولاً: باسم الذات ووصفه تعالى ثانياً: بما وصف به سبحانه تنبيه على تحقق الاستحقاقين تحقق استحقاقه عز وجل الحمد باعتبار ذاته جل شأنه وتحقق استحقاقه سبحانه وتعالى باعتبار الإنعام المؤذن به ما في حيز الموصول الواقع صفة. ومعنى استحقاقه سبحانه وتعالى الذاتي عند بعض استحقاقه جل وعلا الحمد بجميع أوصافه وأفعاله وهو معنى قولهم: إنه تعالى يستحق العبادة لذاته وأنكر هذا صحة توجه التعظيم والعبادة إلى الذات من حيث هي.

وقد صرح الإمام في «شرح الإشارة» عند ذكر مقامات العارفين أن الناس في العبادة ثلاث طبقات. فالأولى: في الكمال والشرف الذين يعبدونه سبحانه وتعالى لذاته لا لشيء آخر. والثانية: وهي التي تلي الأولى في الكمال الذين يعبدونه لصفة من صفاته وهي كونه تعالى مستحقاً للعبادة. والثالثة: وهي آخر درجات المحققين الذين يعبدونه لتكمل نفوسهم في الانتساب إليه. ولا يشكل تصور تعظيم الذات من حيث هي لأنه ـ كما قال الشهاب ـ لو وقع ذلك ابتداء قبل التعقل بوجوه الكمال كان مشكلاً أما بعد معرفة المحمود جل جلاله بسمات الجمال وتصوره بأقصى صفات الكمال فلا بدع أن يتوجه إلى تمجيده تعالى وتحميده عز شأنه مرة أخرى بقطع النظر عما سوى الذات بعد الصعود بدرجات المشاهدات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد