الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } خطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد يصلح له. و { تَجِدُ } إما متعد إلى اثنين فقوله تعالى: { يُوَادُّونَ } الخ مفعوله الثاني، وإما متعد إلى واحد فهو حال من مفعوله لتخصصه بالصفة، وقيل: صفة أخرى له أي قوماً جامعين بين الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وبين موادّة أعداء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وليس بذاك. والكلام على ما في «الكشاف» ((من باب التخييل خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوماً مؤمنين يوادّون المشركين، والغرض منه أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداء الله تعالى))، وحاصل هذا على ما في «الكشف» أنه من فرض غير الواقع واقعاً محسوساً حيث نفى الوجدان على الصفة، وأريد نفي انبغاء الوجدان على تلك الصفة فجعل الواقع نفي الوجدان، وإنما الواقع نفي الانبغاء فخيل أنه هو فالتصوير في جعل ما لا يمتنع ممتنعاً، وقيل: المراد لا تجد قوماً كاملي الإيمان على هذه الحال، فالنفي باق على حقيقته.

والمراد بموادة المحادّين موالاتهم ومظاهرتهم، والمضارع قيل: لحكاية الحال الماضية، و { مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ظاهر في الكافر؛ وبعض الآثار ظاهر في شموله للفاسق، والأخبار مصرحة بالنهي عن موالاة الفاسقين كالمشركين بل قال سفيان: يرون أن الآية المذكورة نزلت فيمن يخالط السلطان، وفي حديث طويل أخرجه الطبراني والحاكم والترمذي عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً " يقول الله تبارك وتعالى: وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوال أوليائي ويعاد أعدائي " وأخرج أحمد وغيره عن البراء بن عازب مرفوعاً " أوثق الإيمان الحب في الله والبغض في الله " وأخرج الديلمي من طريق الحسن عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا تجعل لفاجر ـ وفي رواية ـ ولا لفاسق علي يداً ولا نعمة فيودّه قلبـي فإني وجدت فيما أوحيت إلي { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } " وحكى الكواشي عن سهل أنه قال: من صحح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس إلى مبتدع ولا يجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ويظهر له من نفسه العداوة والبغضاء، ومن داهن مبتدعاً سلبه الله تعالى حلاوة السنن، ومن تحبب إلى مبتدع يطلب عز الدنيا أو عرضاً منها أذله الله تعالى بذلك العز وأفقره بذلك الغنى، ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله تعالى نور الإيمان من قلبه، ومن لم يصدق فليجرب انتهى.

السابقالتالي
2 3 4