الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ } الخ أو لما نهى عز وجل عما هو سبب للتباغض والتنافر أمر سبحانه بما هو سبب للتواد والتوافق أي إذا قال لكم قائل كائناً من كان: توسعوا فليفسح بعضكم عن بعض في المجالس ولا تتضاموا فيها، من قولهم: افسح عني أي تنح. والظاهر تعلق { فِي ٱلْمَجَـٰلِسِ } بتفسحوا، وقيل: متعلق ـ بقيل ـ.

وقرأ الحسن وداود بن أبـي هند وقتادة وعيسى ـ تفاسحوا ـ وقرأ الأخيران وعاصم (في المجالس)، والجمهور (في المجلس) بالإفراد، فقيل: على إرادة الجنس لقراءة الجمع، وقيل: على إرادة العهد.

والمراد به / مجلسه صلى الله عليه وسلم، والجمع لتعدده باعتبار من يجلس معه عليه الصلاة والسلام فإن لكل أحد منهم مجلساً، وفي أخبار سبب النزول ما يؤيد كلاً، أخرج ابن أبـي حاتم عن مقاتل بن حيان " كان صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في الصفة وفي المكان ضيق وكان عليه الصلاة والسلام يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر منهم ثابت بن قيس بن شماس وقد سبقوا إلى المجالس فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السلام عليك أيها النبـي ورحمة الله وبركاته فرد النبـي صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على القوم فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لبعض من حوله: قم يا فلان ويا فلان فأقام نفراً مقدار من قدم فشق ذلك عليهم وعرفت كراهيته وفي جوههم، وقال المنافقون: ما عدل بإقامة من أخد مجلسه وأحب قربه لمن تأخر عن الحضور فأنزل الله تعالى هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } " الخ، وكان ذلك ممن لم يفسح تنافساً في القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبة فيه ولا تكاد نفس تؤثر غيرها بذلك.

وقال الحسن ويزيد بن أبـي حبيب: كان الصحابة يتشاحون في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في الشهادة فنزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الخ، والأكثرون على أنها نزلت لما كان عليه المؤمنون من التضام في مجلسه صلى الله عليه وسلم والضنة بالقرب منه وترك التفسح لمقبل؛ وأياً ما كان فالحكم مطرد في مجلسه عليه الصلاة والسلام ومصاف القتال وغير ذلك.

وقرىء (في المجلس) بفتح اللام، فإما أن يراد به ما أريد بالمكسور والفتح شاذ في الاستعمال، وإما أن يراد به المصدر، والجار متعلق ـ بتفسحوا ـ أي إذا قيل لكم توسعوا في جلوسكم ولا تضايقوا فيه { فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي في رحمته، أو في منازلكم في الجنة، أو في قبوركم، أو في صدوركم، أو في رزقكم أقوال.

السابقالتالي
2 3 4