الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

وقوله عز وجل: { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } استئناف قيل: مسوق لتوبيخهم على ترك الإيمان حسبما أمروا به بإنكار أن يكون لهم في ذلك عذر ما في الجملة على أن { لاَ تُؤْمِنُونَ } حال من ضمير { لَكُمْ } والعامل ما فيه من معنى الاستقرار أي أيّ شيء حصل لكم غير مؤمنين على توجيه الإنكار والنفي إلى السبب فقط مع تحقق المسبب وهو مضمون الجملة الحالية أعني عدم الإيمان فأي لإنكار سبب الواقع ونفيه فقط، ونظيره قوله تعالى:مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [نوح: 13] وقد يتوجه الإنكار والنفي في مثل هذا التركيب لسبب الوقوع فيسريان إلى المسبب أيضاً كما في قوله تعالى:وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ } [يسۤ: 22] الخ ولا يمكن إجراء ذلك هنا لتحقق عدم الإيمان وهذا المعنى مما لا غبار عليه.

وقوله تعالى: { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ } حال من ضمير { لاَ تُؤْمِنُونَ } مفيدة على ما قيل: لتوبيخهم على الكفر مع تحقق ما يوجب عدمه بعد توبيخهم عليه مع عدم ما يوجبه. ولام { لّتُؤْمِنُواْ } صلة ـ يدعو ـ وهو يتعدى بها وبإلى، أي وأي عذر في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه وينبهكم عليه، وجوّز أن تكون اللام تعليلية وقوله سبحانه: { وَقَدْ أَخَذَ مِيثَـٰقَكُمْ } حال من فاعل { يَدْعُوكُمْ } أو من مفعوله، أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان من قبل كما يشعر به تخالف الفعلين مضارعاً وماضياً، وجوز كونه حالاً معطوفة على الحال قبلها فالجملة حال بعد حال من ضمير { تُؤْمِنُونَ } والتخالف بالاسمية والفعلية يبعد ذلك في الجملة، وأياً مّا كان فأخذ الميثاق إشارة إلى ما كان منه تعالى من نصب الأدلة الآفاقية والأنفسية / والتمكين من النظر فقوله تعالى: { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ } إشارة إلى الدليل السمعي وهذا إشارة إلى الدليل العقلي وفي التقديم والتأخير ما يؤيد القول بشرف السمعي على العقلي.

وقال البغوي: هو ما كان حين أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم بأنه سبحانه ربهم فشهدوا وعليه لا مجاز والأول اختيار الزمخشري، وتعقبه ابن المنير فقال: ((لا عليه أن يحمل العهد على حقيقته وهو المأخوذ يوم الذر وكل ما أجازه العقل وورد به الشرع وجب الإيمان به))، وروى ذلك عن مجاهد وعطاء والكلبـي ومقاتل، وضعفه الإمام بأن المراد إلزام المخاطبين الإيمان ونفي أن يكون لهم عذر في تركه وهم لا يعلمون هذا العهد إلا من جهة الرسول فقبل التصديق بالرسول لا يكون سبباً لإلزامهم الإيمان به، وقال الطيبـي: يمكن أن يقال: إن الضمير في { أَخَذَ } إن كان لله تعالى فالمناسب أن يراد بالميثاق ما دل عليه قوله تعالى:قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدِىَ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ }

السابقالتالي
2 3