الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ }

وهم الناس من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، ولا يخالفه قوله عليه الصلاة والسلام: " إن أمتي يكثرون سائر الأمم " أي يغلبونهم في الكثرة لأن أكثرية سابقي المتقدمين من سابقي هذه الأمة لا تمنع أكثرية تابعي هؤلاء من تابعي أولئك. وحاصل ذلك غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء ومائة من العوام وأخرى فيها خمسة من العلماء وألف من العوام فخواص الأولى أكثر من خواص الثانية وعوام الثانية ومجموع أهلها أضعاف أولئك. لا يقال يأبى أكثرية تابعي هؤلاء قوله تعالى:ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَخِرِينَ } [الواقعة: 39-40] فإنه في حق أصحاب اليمين وهم التابعون، وقد عبر في كل بالثلة أي الجماعة الكثيرة لأنا نقول لا دلالة في الآية على أكثر من وصف كل من الفريقين بالكثرة وذلك لا ينافي أكثرية أحدهما فتحصل أن سابقي الأمم السوالف أكثر من سابقي أمتنا، وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم، والمراد بالأمم ما يدخل فيه الأنبياء وحينئذ لا يبعد أن يقال: إن كثرة سابقي الأولين ليس إلا بأنبيائهم فما على سابقي هذه الأمة بأس إذ أكثرهم سابقو الأمم بضم الأنبياء عليهم السلام، وأخرج الإمام أحمد وابن المنذر وابن أبـي حاتم وابن مردويه عن أبـي هريرة قال: لما نزلت { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلأَخِرِينَ } شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلتثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَخِرِينَ } [الواقعة: 39-40] فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: " إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة ـ أو شطر أهل الجنة ـ وتقاسمونهم النصف الثاني " وظاهره أنه شق عليهم قلة من وصف بها وأن الآية الثانية أزالت ذلك ورفعته وأبدلته بالكثرة، ويدل على ذلك ما أخرج ابن مردويه عن أبـي هريرة قال: لما نزلت { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلأَخِرِينَ } حزن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم / وقالوا إذاً لا يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قليل فنزلت نصف النهارثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَخِرِينَ } [الواقعة: 39-40] فنسخت { وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلأَخِرِينَ }.

وأبـى ذلك الزمخشري فقال: إن الرواية غير صحيحة لأمرين: أحدهما: أن الآية الأولى واردة في السابقين، والثانية: في أصحاب اليمين، والثاني أن النسخ في الأخبار غير جائز فإذا أخبر تعالى عنهم بالقلة لم يجز أن يخبر عنهم بالكثرة من ذلك الوجه، وما ذَكَرَ من عدم جواز النسخ في الأخبار أي في مدلولها مطلقاً هو المختار. وقيل: يجوز النسخ في المتغير إن كان عن مستقبل لجواز المحو لله تعالى فيما يقدره والاخبار يتبعه، وعلى هذا البيضاوي، وقيل: يجوز عن الماضي أيضاً وعليه الإمام الرازي والآمدي، وأما نسخ مدلول الخبر إذا كان مما لا يتغير كوجود الصانع وحدوث العالم فلا يجوز اتفاقاً، فإن كان ما نحن فيه مما يتغير فنسخه جائز عند البيضاوي ويوافقه ظاهر خبر أبـي هريرة الثاني، ولا يجوز على المختار الذي عليه الشافعي وغيره فقول صاحب «الكشف»: لا خلاف في عدم جواز النسخ في مثل ما ذكر من الخبر إذ لا يتضمن حكماً شرعياً لا يخلو عن شيء.

السابقالتالي
2